الأحداث الإرهابية الأخيرة في فرنسا، وقبلها في بريطانيا، وإسبانيا، وأمريكا، جميعها يطرح سؤالا مهما حول مدى المسؤولية التي يتحملها الغرب.
الأحداث الإرهابية الأخيرة في فرنسا، وقبلها في بريطانيا، وإسبانيا، وأمريكا، جميعها يطرح سؤالا مهما حول مدى المسؤولية التي يتحملها الغرب عن وجود هذا الفكر المتشدد داخل مجتمعاتهم.
فالغرب ليس بريئا في المطلق، وإنما عليه كثير من التبعات التي تعود إلى ما قبل توغل وانتشار هذه الأفكار في بلادهم.
أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011 في أمريكا هي الأكبر والأكثر تأثيرا ليس في أمريكا فقط بل في العالم أجمع، لأنها ولّدت موجة من العداء تجاه كل ما هو مسلم وحشرت المسلمين جميعهم في زاوية المتهمين الذين يجب أن يدافعوا عن أنفسهم طيلة الوقت.
وأمام هذه الموجة المتشددة من العداء تولدت موجة أكثر تشددا للدفاع وللأسف وقعنا جميعا بين موجتين من التشدد والتشدد المضاد، نتج عنهما ردات فعل متفاوتة من أعمال العنف في الغرب أدارها ونفذها المتشددون الذين يعتنقون أفكارا إسلاموية.
ولعلنا نذكر هنا أحداث مدريد عام 2005، حيث تم تفجير محطة قطارات في مدريد، وراح ضحيتها قرابة 200 قتيل وأكثر من 1755 جريحا، وتوالت التفجيرات في لندن وفي غيرها من العواصم الأوروبية.
لكن بقليل من الرصد الدقيق نكتشف أن الغرب يتحمل جزءا كبيرا مما وقع عليه وفيه من أعمال إرهابية، لأن الغرب شكّل حاميا وحافظا لهذه الأفكار ومتبنيا لها أحيانا وممثلا لها في أحيان أخرى.
وقع الغرب مع حاملي هذه الأفكار المتشددة في خطأ كبير، وهو الآن يدفع ثمنه، فقد روّج الغرب لنفسه بأنه حامي حمى حرية الرأي والاختلاف، وفتح حدوده أمام قادة هذه التنظيمات خصوصا تنظيم الإخوان، ومنحهم اللجوء السياسي، وحين كان العرب يلومونهم أو يحذرونهم يقولون إنهم يدافعون عن القيم الغربية قيم الحرية والانفتاح وحرية الاختلاف والعيش، ولعل في الدور البريطاني مع جماعة الإخوان دليل على ذلك، فقد كان داعما لحسن البنا حين كان في طور تأسيس الجماعة في العشرينيات من القرن الماضي، وقد أثبتت الوثائق المفرج عنها أن حسن البنا كان يتقاضى راتبا شهريا من المشرف البريطاني على تشغيل شركة قناة السويس.
وبعد ذلك تم التأكد من أن جماعة الإخوان بعد التأسيس استُخدمت في الصراع بين بريطانيا والزعيم الراحل جمال عبدالناصر، سواء في حربه في اليمن أو في صراعه مع الغرب الذي تمثل في تأميم قناة السويس؛ لتكون شركة مصرية ونتج عن ذلك العدوان الثلاثي على مصر.
بعدها مباشرة فتح الغرب أبوابه لقادة الجماعة تحت شعار اللجوء السياسي وعاش هؤلاء عصرهم الذهبي في تلك البلاد خصوصا بريطانيا.
لم تختلف ألمانيا عن هذا الأمر، واستخدمت ورقة جماعة الإخوان في حرب المناكفة السياسية بينها وبين الدول العربية التي اعترفت بألمانيا الشرقية، خصوصا سوريا ومصر، وفي هذا الإطار فتحت حدودها أمام كل من يرفع شعار معاداة مصر وسوريا خصوصا قادة الإخوان.
وفعلا اعتبرت فترة الستينيات هي فترة الهروب الكبير لقادة الجماعة إلى ألمانيا ومنها إلى الغرب، وهناك تأسس عدد من الجمعيات والمنظمات التي استغلتها جماعة الإخوان لترسيخ الفكر المتشدد في الغرب، خصوصا "الجمعية الإسلامية" في ألمانيا، وفي إيطاليا "تأسس بنك التقوى أو بنك الإخوان" الذي أداره وأشرف عليه "يوسف ندا" أهم عقلية مالية للإخوان، وهو المؤثر الأكبر في التنظيم الدولي وتغذية الجماعة في داخل دولهم.
لم تكن فرنسا بعيدة عما يحدث في "ألمانيا" أو في "بريطانيا" أو في أمريكا، فكانت الأقرب لما حدث في الجزائر من العشرية السوداء، وبالتالي مَن خرج من الجزائر كانت فرنسا أقرب له.
ومع وصول أوباما "إلى الحكم" زاد من فكرة ترسيخ الإسلامويين ليكونوا بديلا عن النظم الحاكمة باعتبارهم أكثر تنظيما ووجودا على الأرض، وفي مذكرات هيلاري كلينتون تأكيد على هذا الكلام حين وقفوا خلف جماعة الإخوان المسلمين في مصر سواء قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 وبعد ثورة 30 يونيو 2013، إذ تعمدوا دعم محمد مرسي وفريقه، وفرض عقوبات على مصر.
بمجيء ترامب تبدّل الحال كثيرا وتكرّست فكرة إرهابية الإخوان، وبدأ الغرب ينحو نفس الناحية، ولكن كان الوقت قد مر، وتحول ما كان فكرا في الستينيات إلى مؤسسات وقيادات وأفراد.
وكان هناك جيل ثالث موجود في الغرب ومتشبع بفكر الإخوان ومن جاء بعدهم وخرج من عباءتهم مثل القاعدة وداعش.
ماكرون يريد أن يدافع عن قيم الجمهورية، ما زال غير قادر على حل مشكلة العائدين من داعش، وغير قادر على التعامل مع أزمات الضواحي الفقيرة، ولا مع الجيل الخامس من أبناء الجالية المسلمة في فرنسا، وهكذا الوضع في بريطانيا وفي ألمانيا وفي أمريكا.
الغرب يحتاج إلى إعادة بلورة فكرية للتعامل مع الفكر المتشدد بغض النظر عمَن يجمله.
وعليه تصنيف الجماعات المتشددة كجماعات إرهابية خصوصا جماعة الإخوان، وتسليم قياداتها الموجودين والتعاون الأمني الجاد مع الأجهزة التي يتبع لها هؤلاء الهاربون.
على الغرب أن يعترف بأنه أخطأ في التستر على قيادات هذه التنظيمات وحاملي فكرها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة