التحدي الذي يواجه العالم الغربي والعالم الإسلامي، هو تحدٍ مشترك، ألا وهو كيفية مواجهة الأصولية والتطرف في المجتمعات
ربما لا نحتاج إلى تلك الجريمة الإرهابية البشعة التي هزت الضمير العالمي في نيوزيلندا، كإثبات قوى على أن العالم الغربي، الذي لديه أصلاً فوبيا من الإسلام، يواجه تحدياً أصولياً قوياً، ضمن مكوناته السكانية، فمن المؤكد أن جريمة «المسجدين» سوف تكون وصمة عار في جبين العالم الغربي، مهما تغنى بالديمقراطية والتسامح وتقبل الآخر، وفتح أبوابه مشرعة للهجرة من الدول الفقيرة والمتضررة من الحروب والنزاعات.
إن العالم ككل، يواجه خطر أيديولوجيا لا يمكن التكهن بنهايته ولا بتأثيره على دول العالم، فكلما أُقفل للإرهاب باب، فُتحت له أبواب أخرى، ففي الفترة التي يعلن فيه العالم انتهاء خطر «داعش»، يظل الفكر المتطرف الغربي خطراً يواجه العالم بأسره
إن تلك الجريمة، والجرائم المشابهة لها، التي تشهدها الدول الغربية حالياً، هي دليل قوي على عدم قدرة العالم الغربي على احتواء تلك النزعة الأصولية، واستعلاء العرق الأبيض، الذي يصدّر خطاب الكراهية بكافة أشكاله.
ولا شك أن انتشار الدين الإسلامي في كل بقاع العالم، لا سيما في الدول الغربية، التي لديها، بحكم الجذور الاستعمارية، نظرة فوقية تجاه أتباع المستعمرات السابقة، قد رسخ لدى بعض من سكانها البيض، خوفاً وقلقاً غير مبرر، بزعم أن الإسلام يهدف إلى الهيمنة والسيطرة والسلطة.
إذن، إنه ليس الخوف على المكون الثقافي والهوية كما يظن البعض، بل الخوف من الهيمنة والسيطرة الروحية التي لا تستطيع قوة إيقافها، فعندما يعتلي سدة الحكم في أقوى دولة في العالم، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، رئيس لديه جذور إسلامية، فهنا يكمن التحدي، فبحكم الديمقراطية المؤسساتية، لم يستطع أحد إيقاف الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما، من تولي رئاسة أكبر قوة في العالم.
هذه هي الديمقراطية المشتقة من رغبات الشعب، وهذه هي الديمقراطية التي يعمل خطاب الكراهية الغربي على تحجيمها.
إن الدول الغربية جميعها تواجه تحدياً حضارياً كبيراً، تماماً كالتحدي الذي يواجه العالم الإسلامي، من ارتفاع حدة ونبرة الأصوليين وتطرفهم، وتمردهم على كل القيم الإنسانية، فتلك الأصولية غذتها ونشرتها وسائل التواصل والتقنيات الحديثة، التي جعلت من بعض الجرائم متعة ما بعدها متعة، لبعض الأصوليين والمتطرفين، فكما وثّق داعش جرائمه ونشرها عبر الإنترنت، وجعلها متاحة للآلاف من أتباعه، يوثق الإرهابيون الغربيون جرائمهم اليوم ويبثونها لأتباعهم.
يحضرني، هنا، مشهد لا يزال راسخاً في ذهني عن سنوات الحكم العنصري في جنوب أفريقيا، حين وثّق أحد المتطرفين جريمته ضد أحد السكان السود، وبثتها القنوات الفضائية الغربية، حينها ظهر أحد السكان البيض مؤيداً تلك الجريمة، قائلاً إن «جنوب أفريقيا هي للبيض، وإنه لا مكان للسود بيننا، لأنهم لا يشبهوننا في شيء».
التاريخ بعد ذلك أعاد الاعتبار لجنوب أفريقيا، حين صعد إلى سدة الحكم فيها رئيس قل التاريخ أن ينجب مثله، هو نيلسون مانديلا.
مانديلا أصبح رئيساً للسود والبيض، وجعل من جنوب أفريقيا بلداً يزخر بالأمن والاستقرار، بعد سنوات من التمييز العنصري والتفرقة والكراهية.
إن التحدي الذي يواجه العالم الغربي والعالم الإسلامي، هو تحدٍ مشترك، ألا وهو كيفية مواجهة الأصولية والتطرف في مجتمعاتهم، فالقضاء على نزعة التطرف والكراهية لا تكون فقط بمواجهة الأصوليين والمتطرفين، بل تبدأ من الصفر، في التربية والتنشئة التي تجعل من الفرد قابلاً للتعايش مع غيره، ومع الأفكار والمعتقدات المختلفة.
سَن القوانين والتشريعات التي تجعل من التفرقة والتمييز جريمة يعاقب عليها القانون، هي خطوة مهمة، فبدون سَن تلك التشريعات والقوانين، سوف تظل تربة المجتمع تربة خصبة لنمو تلك الأفكار الشيطانية.
والملاحظة القوية، هي أن جميع الإرهابين والأصوليين هم من فئة الشباب، أي من تلك الفئة التي ترعرعت على استخدام التقنيات، واستقت الكثير من أفكارها من الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
إذن، فدور الأسرة ومؤسسات المجتمع الأخرى في الإشراف والتوجيه، يبدو محدوداً، ومن هنا، تأتي أهمية الإشراف الرسمي على المحتوى الذي تبثه شبكات التواصل الاجتماعي، فمن دون هذا الإشراف، لن يكون احتواء ظاهرة الإرهاب وخطاب الكراهية ممكناً.
إن العالم ككل، يواجه خطر أيديولوجيا لا يمكن التكهن بنهايته ولا بتأثيره على دول العالم، فكلما أقفل للإرهاب باب، فتحت له أبواب أخرى، ففي الفترة التي يعلن فيه العالم انتهاء خطر «داعش»، يظل الفكر المتطرف الغربي خطراً يواجه العالم بأسره، كدليل على أن العالم لن يكون في مأمن، إلا بتغير قيمي جذري، يسبر أغوار النفس البشرية، ليظلل العالم بأخوة إنسانية.
نقلاً عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة