السودان سيخرج من دوامة الفقر تدريجياً بعد إنهاء العقوبات الأمريكية التي فُرضت على النظام السابق.
وصلت جماعة الإسلام السياسي للحكم في السودان بعد الانقلاب الذي قاده عمر البشير بإيعاز من حسن الترابي على حكومة الصادق المهدي عام 1989، وما تلاه من صراع على السلطة انتهى إلى دكتاتورية أنهكت البلاد وأدخلتها في حروب عبثية، وفصلت جنوبها عن شمالها، بل وأصبحت حاضنة للإرهاب ورموزه مما أدى لفرض عقوبات أمريكية حرمت الشعب السوداني من أبسط حقوقه.
بدأت قصة العقوبات الأمريكية على السودان عام 1988 عندما تخلف الأخير عن سداد ديونه، إلا أن العقوبات التي لها علاقة بملف الإرهاب بدأت عام 1993 عند إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، رداً على استضافة نظام البشير لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وفي عام 1997، فرضت الإدارة الأميركية وبقرار تنفيذي من الرئيس بيل كلينتون، عقوبات مالية وتجارية على السودان، تم بموجبها تجميد الأصول المالية السودانية، ومنع تصدير التكنولوجيا الأمريكية له، وألزمت الشركات الأميركية، والمواطنين الأميركيين، بعدم الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع الخرطوم.
وبعد الإطاحة بحكم البشير العام الماضي، وجدت السلطة الانتقالية نفسها أمام أوضاع متأزمة اقتصادياً واجتماعياً، إلى جانب الأوضاع الأمنية المتردية، ومؤامرات الداخل والخارج الهادفة إلى إفشال الثورة وإعادة الإخوان إلى صدارة المشهد، ولكنها واجهت كل تلك العقبات والعوائق بكل صلابة وحنكة، وجعلت حكومة "حمدوك" تحقيق الاستقرار السياسي والأمني وإنقاذ الاقتصاد المتهالك أولوية قصوى لديها، فوقعت اتفاق سلام تاريخي في جوبا طوت عبره صفحة الحرب إلى غير رجعة، وتوصلت بعد حوار طويل مع الإدارة الأميركية إلى تسوية مالية، مهدت لصدور إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرار رفع السودان من قائمة الإرهاب.
السودان سيخرج من دوامة الفقر تدريجياً بعد إنهاء العقوبات الأمريكية التي فُرضت على النظام السابق، وذلك سيسمح بدمج الاقتصاد السوداني وجهاز الدولة المصرفي في الاقتصاد العالمي وتدفق النقد والاستثمارات الأجنبية للبلاد، وسيساعد السودان على حيازة تكنولوجيات حديثة والوصول إلى السوق المالية الدولية، ما يتيح له تحسين إدارة صادراته ووارداته. وأيضاً سينتج عن هذا القرار تضاعف قيمة المساعدات التنموية والإنسانية التي تقدمها واشنطن للسودان بما في ذلك فائض القمح والإمدادات الطبية التي يحتاج إليها الشعب السوداني بشدة.
هذا القرار الذي يصفه المجلس الانتقالي السوداني بالتاريخي، ما زال رهينة عدة عوامل أخرى متشابكة إقليمياً ودولياً، وهناك تحديات داخلية أهمها استرجاع ثقة المجتمع الدولي بتحقيق السلام وإجراء مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية الأساسية، وزيادة الشفافية في القطاع المصرفي، وتحسين سجل حقوق الإنسان، ومعالجة الملفات المتراكمة، لتشجع الدول على فتح باب الاستثمارات والتخفيف من عبء الديون. وما لم تتمكن حكومة "حمدوك" من الاستفادة من هذا القرار لتنفيذ إصلاحات عاجلة، فإنها تواجه مخاطر فورية. السودانيون يطالبون بإنعاش سريع للاقتصاد، ويمكن أن يخرجوا إلى الشارع إذا لم يكن ذلك وشيكاً، كما فعلوا خلال الثورة التي أطاحت بالبشير.
اليوم يتجه السودان إلى إنهاء أكبر عقبة أمام الإصلاحات الاقتصادية، وهي رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فهو إنجاز كبير يضع نهاية لواحدة من أكثر تركات النظام السابق الذي خلق دماراً للاقتصاد في هذا البلد وضياعاً لفرص التنمية فيه، إضافة إلى عزلة دولية خانقة. السودان بالتأكيد لن يضيع هذه الفرصة لبناء مشروع النهضة والسير في طريق التنمية والازدهار، ومن خلفه يصطف الأصدقاء والأشقاء لمساعدته على تجاوز هذه المرحلة الحرجة من تاريخه، وتدشين عهد جديد يعود عبره السودان مارداً كما كان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة