كابلات الاتصالات البحرية.. العمود الفقري للتجارة العالمية

أعلنت شركة «مايكروسوفت» عن تضرر عدد من كابلاتها في البحر الأحمر، محذرة من أنه قد يؤثر على عمل خدمة «مايكروسوفت أزور» السحابية.
فما هي الكابلات البحرية؟ وما أهميتها؟
وفقاً لتقرير نشره موقع "ذا إنترسبت"، فإن الكابلات هي السر وراء المعجزات اليومية التي تتمثل في وصول رسالة بريد إلكتروني من نيويورك إلى سيدني خلال ثوانٍ، أو إجراء مكالمة فيديو مع شخص في الطرف الآخر من العالم دون تأخير يُذكر.
وتعرف موسوعة بريتانيكا الكابل البحري بأنه كابل من الألياف الضوئية يُمدّ عبر قاع المحيط لنقل المعلومات وتمكين الاتصالات العالمية. ويوجد حاليًا أكثر من 600 كابل بحري تمتد لمسافة إجمالية تُقدّر بحوالي 1480000 كيلومتر (أي نحو 920000 ميل) عبر المحيطات والمضائق المهمة مثل قناة السويس وتغطي مختلف أنحاء العالم.
أهمية الكابلات
تشكل كابلات الألياف الضوئية الممتدة على قاع المحيطات شريان الحياة للاتصال العالمي، حيث تمكّن من الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة، والمكالمات الدولية، والمعاملات المالية، وخدمات الحوسبة السحابية التي تُغذّي الاقتصاد الحديث. ومن دونها، ستتعرض التجارة العالمية، والأنظمة المصرفية، وحتى العمليات الأمنية الوطنية لاضطرابات كبيرة.
ووفقا لتقرير نشره موقع "وينوورد"، تعتمد الحكومات والشركات والأفراد على هذه الشبكات في كل شيء، بدءًا من تداول الأسهم اللحظي، ومرورًا بمكالمات الفيديو، ووصولًا إلى وسائل التواصل الاجتماعي. وبالمقارنة مع الأقمار الصناعية التي تعاني من تأخير أعلى وسعة أقل، توفّر الكابلات البحرية اتصالًا أسرع وأكثر موثوقية، مما يجعلها ضرورية لتحقيق تواصل عالمي سلس ومستقر.
وأكثر من 95% من حركة البيانات العالمية تمر عبر هذه الكابلات، التي تتميز بسرعتها الفائقة، حيث يمكنها نقل عدة تيرابتات في الثانية، وهي سرعة تكفي لبث عدد كبير من أفلام 4K في لحظة واحدة.
ولا تقتصر أهمية هذه الكابلات على الاتصالات فحسب، بل تلعب دورًا حيويًا في البنية التحتية الحيوية، إذ تدعم قطاعات مثل الطاقة البحرية، والبحث العلمي، والدفاع العسكري.
ومع تزايد الطلب الرقمي، يتم حاليًا نشر كابلات جديدة بقدرات أعلى وأمان محسّن، لضمان توسّع الشبكات العالمية ومرونتها. ومع ذلك، فإن هذه الأهمية الاستراتيجية تجعلها أيضًا هدفًا عرضةً للتهديدات السيبرانية، والتجسس، والأضرار الفيزيائية الناتجة عن الكوارث الطبيعية أو النزاعات الجيوسياسية.
تركيب الكابلات
ووفقا لتقرير "انترسبت"، يتطلب تركيب هذه الكابلات مسحًا دقيقًا لقاع البحر لتحديد المسار الأمثل وتجنّب المخاطر الطبيعية. وتقوم سفن خاصة بمد الكابلات، حيث تُلف الكابلات على بكرات ضخمة وتُنزل تدريجيًا إلى القاع. في المياه الضحلة، تُدفن الكابلات لحمايتها، بينما تُترك على القاع في الأعماق. وتُستخدم معززات للإشارة (repeaters) على طول المسار لضمان استمرار نقل البيانات بكفاءة عالية.
لكن هذه الكابلات عرضة للانقطاع، حيث يُسجّل سنويًا بين 100 إلى 150 حادث قطع، غالبًا بسبب شباك الصيد أو مراسي السفن. كما تشكل التهديدات الأمنية مصدر قلق متزايد، خاصة مع حوادث يُشتبه بأنها أعمال تخريب، مثل الانقطاعات الغامضة قبالة غرب إفريقيا عام 2024، أو تلك التي حدثت في بحر البلطيق عام 2023.
ومن أبرز الحوادث، تضرر كابلات في البحر الأحمر بين فبراير/شباط ومارس/آذار 2024 إثر هجوم على سفينة "روبيمار"، ما أدى إلى تعطيل الاتصالات بين آسيا وأوروبا. هذه الحوادث كشفت عن ضعف البنية التحتية للإنترنت في مواجهة الصراعات الجيوسياسية.
حلول الأزمات
وتسعى الشركات والحكومات لحماية هذه الكابلات من خلال تخطيط المسارات بعناية، وتصنيع الكابلات من مواد قوية، وإنشاء مناطق حماية خاصة. كما يُطرح استخدام الأقمار الصناعية كحل مساعد لتحويل مسارات البيانات عند وقوع حوادث، مما يعزز مرونة الشبكة العالمية. فإبان حادثة البحر الأحمر العام الماضي ظهر أن الحلول لتحديات الاتصال قد تأتي من السماء وليس فقط من قاع البحر. فعندما تضررت الكابلات البحرية في المنطقة، لجأ مشغلو الأقمار الصناعية إلى إعادة توجيه حركة الإنترنت عبر شبكاتهم لتقليل التأثير.
ورغم أن الكابلات البحرية ستظل تُشكّل العمود الفقري لنقل الجزء الأكبر من حركة الإنترنت العالمية في المستقبل القريب، إلا أن الاعتماد على نهج مزدوج يجمع بين الكابلات البحرية والأقمار الصناعية يمكن أن يوفر حلاً مرنًا وأكثر أمانًا، ويساعد على الحد من تأثير انقطاع الكابلات نتيجة للحوادث أو التهديدات الجيوسياسية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTMxIA==
جزيرة ام اند امز