لمن يسأل فيما إذا من الممكن التعويل على تعديل موقف روسيا تجاه سوريا ونظامها الحالي نستطيع القول إنه من المستحيل ذلك من الناحية السياسية
المراقب للعلاقة بين دمشق وموسكو، وكيف أنّ الأخيرة وصلت بها الأمور للتدخل عسكرياً لإنقاذ حليفتها من الأحداث التي تعرضت لها منذ عام 2011، يدرك تماماً حجم الاتفاقيات التي أُسس لها قبل عام 1970 تاريخ وصول الرئيس السوري السابق حافظ الأسد لسدة الحكم.
التدخل الروسي في سوريا، وإن كانت خسائره المادية والبشرية كبيرة على موسكو، إلّا أنها ستنال مقابلاً لذلك ومن خلال سوريا، فرغم الكثير من الإغراءات الغربية لروسيا بترك الملف السوري والانخراط مع رؤية المجتمع الدولي المناصر لإسقاط النظام واستبداله، إلا أن السياسة الروسية بقيت ثابتة بل وازدادت شراسة.
تقبض السلطة السورية الحالية ثمن موقفها وتشريعها الأبواب لدخول الروس المنطقة العربية من جديد من بوابات دمشق، عقب طرد الاتحاد السوفييتي من مصر إبّان حكم الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، حينها كان البديل سوريا ليحتفظ الروس بمكانتهم في منطقة الشرق الأوسط وبقوة في مقابل الجانب الأمريكي المتحالف مع الدول الأوروبية.
التدخل الروسي في سوريا، وإن كانت خسائره المادية والبشرية كبيرة على موسكو، إلّا أنها ستنال مقابلاً لذلك ومن خلال سوريا، فرغم الكثير من الإغراءات الغربية لروسيا بترك الملف السوري والانخراط مع رؤية المجتمع الدولي المناصر لإسقاط النظام واستبداله، إلا أن السياسية الروسية بقيت ثابتة بل وازدادت شراسة، خصوصاً بعد الضربة العسكرية الأخيرة، والتي تشاركت فيها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، وبات الروس يبحثون عن طرف في المعارضة يشاركهم رؤيتهم للحل وإبرامه، تحت بند سياسة الأمر الواقع بما لا يترك مجالاً للأطراف الدولية قدرة التحرك خصوصاً مع الجغرافية العسكرية الجديدة على الأرض السورية والتي تصب بلا أدنى شك لصالح النظام وحلفائه.
الدب الروسي وبعد أن تعرض لما يُحب تسميته طعنة خنجر في الملف الليبي ومن قبله العراقي، أدرك تماماً أنّ مصيره، ليس على صعيد منطقة الشرق الأوسط ولكن الدولي كذلك، مرتبط بقدرته على الصمود في سوريا التي لا تشكل بعداً استراتيجياً لروسيا فحسب، بل نقطة ارتكاز دائمة قد تطول لعشرات السنين إن لم نقل مئات.
لمن يسأل فيما إذا من الممكن التعويل على تعديل الموقف الروسي تجاه سوريا ونظامها الحالي، نستطيع القول له إنّه من المستحيل ذلك من الناحية السياسية، والثمن المطلوب لذلك كبير جداً قد يصل إلى مطالبة موسكو الاعتراف بأن روسيا دولة انتداب على سوريا إذا ما وافقت على نظرية استبدال النظام واسقاط حكومة بشار الأسد، وهذا ما لن يدفعه الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة لروسيا لذلك يبقى الروس متشبثين بآرائهم لصالح مواصلة دعم السلطة الحالية أكثر لجملة من الأسباب:
أولاً لأنّ سوريا تشكل عمقاً استراتيجياً لروسيا وإن لم تكن ثمة جغرافيا متصلة ولكن عبر تركيا ودول شمال القوقاز والفوضى في هذا البلد حتما ستنعكس على تركيا وتؤثر فيها بشكل كبير جداً، ولعلّ الروس يدركون ذلك أكثر بكثير من إدراك السلطات التركية لذلك وهذا ما سينتج عنه تدفق المزيد من المتطرفين عبر سوريا إلى تركيا ووصولهم إلى روسيا وتهديد أمنها واستقرارها.
ثانياً ذهاب سوريا من معسكر روسيا يعني بالضرورة رجوع العالم إلى فرضية القطب الأوحد أي الولايات المتحدة، خاصة وأنّ معظم الدول تميل في علاقاتها الاستراتيجية للولايات المتحدة أكثر من روسيا، والمنطقة العربية هي مكان النفوذ العالمي الذي تتصارع فيه القوى من أجل كسب المزيد من نقاط القوى، وسوريا قلب الوطن العربي وموقعها كفيل بإعطاء الروس مكاناً استراتيجياً لا يمكن لأحد منازعته عليه.
ثالثاً مجاورة إسرائيل لسوريا، وهذه نقطة بالغة الأهمية لدى الروس الذين يدركون حجم التوغل الإسرائيلي في الداخل الأمريكي، وقوة هذا النفوذ في مفاصل القرار هناك، واستثمار الروس لعلاقتهم مع سوريا وعدم حدوث احتكاك بين سوريا وإسرائيل بضبط الروس الايقاع السوري بما لا يشكل تهديداً لإسرائيل سيجعل منهم حليفاً تسعى تل أبيب لاسترضائه والعمل على مسايرته سياسياً أو حتى عسكرياً في المستقبل.
رابعاً طبيعة التركيبة السكانية في سوريا تشابه إلى حد كبير الطبيعة السكانية في روسيا والدول المنضوية تحت جناحها، فتجد تنوعاً في الديانات والمذاهب والإثنيات، وتغيير النظام في سوريا لصالح الأكثرية السنية سيفتح الأذهان على تغييرات قد تطال الكثير من البلدان المنضوية تحت الجناح الروسي، والسير بها إلى دول خارجة عن الوصاية الروسية كالشيشان وكازخستان وغيرهما من دول الاتحاد الروسي، وهذا ما يضعف روسيا أكثر لصالح الولايات المتحدة والأوروبيين الذين ما برحوا يسعون لتشديد الخناق على موسكو بعد خوضها حرب القرم والدخول العسكري في سوريا.
الأسباب الثلاثة السابقة تقود إلى يقين شبه حتمي بأنّ المراهنين على تغيير الموقف الروسي مما يحدث في سوريا لن يحصدوا ثماراً لمراهناتهم لا في الوقت الحالي ولا في المستقبل، لذلك الأفضل لجميع الأطراف الحوار مع الروس من أجل تجنيب ليس سوريا فحسب، بل المنطقة العربية والعالم كذلك مزيداً من الصراعات التي سيدفع الجميع ثمنها من دون استثناء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة