إنجاز جديد تُسطره دولة الإمارات بمجال مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة وجرائم غسل الأموال، مع تصديق مجموعة العمل المالي «فاتف FATF» على قرارها بخروج الإمارات من «القائمة الرمادية».
قرار الهيئة الرقابية العالمية بمثابة إشادة دولية وثقة تتعاظم في الجهود الحثيثة والإصلاحات التنافسية التي سنّتها حكومة دولة الإمارات، وتحرص الجهات المعنية التابعة لها على تطبيقها وتنفيذها وفق أفضل الممارسات الدولية والتي تضمن استدامتها.
لكن ما هي «القائمة الرمادية» لمجموعة العمل المالي في باريس (فاتف)؟ وماذا يعني مغادرة دولة الإمارات لتلك القائمة؟ وما هي المكتسبات المتوقعة للاقتصاد الإماراتي محلياً وعالمياً؟ هذا ما توضحه «العين الإخبارية» في هذا التقرير.
ما هي قائمة «فاتف» الرمادية؟
وفق اللجنة الوطنية الإماراتية لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة على موقعها الإلكتروني، تعمل الدول التي تخضع لمراقبة مشددة مع مجموعة العمل المالي «فاتف»، لمعالجة أوجه الضعف الاستراتيجية في أنظمتها الخاصة بمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، وتمويل انتشار التسلّح.
وعندما تضعُ «فاتف» دولة ما تحت المراقبة المشددة، فإن ذلك يعني أن الدولة قد التزمت بالقيام بسرعة بحل ومعالجة أوجه الضعف الاستراتيجية التي تم التعرّف عليها، ضمن فترة زمنية متفق عليها، وأنها تخضع لمراقبة زائدة. ويشار إلى القائمة التي تضم هذه الفئة من الدول باسم «القائمة الرمادية الصادرة عن فاتف».
ومجموعة العمل المالي Financial Action Task Force وتعرف باختصار FATF، هي منظمة حكومية دولية مقرها في العاصمة الفرنسية باريس، أسست سنة 1989، تعمل على سن المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، كما تقوم بتقييم مدى التزام الدول بتلك المعايير، حيث تستهدف مجموعة العمل المالي حماية النزاهة المالية على الصعيد الدولي.
وتواصل مجموعة العمل المالي (FATF) والهيئات الإقليمية على غرارها العمل مع الولايات القضائية (الدول الموضوعة بالقائمة الرمادية)، لتقديم تقارير عن التقدم المحرز في معالجة أوجه القصور الاستراتيجية لديها، كما أوضحت «فاتف» على موقعها الإلكتروني.
وتخضع 23 دولة للرقابة الزائدة على القائمة الرمادية التابعة للهيئة الرقابية المالية «فاتف» -حتى إعداد هذا التقرير-، لمراجعة التقدم المحرز بمكافحة التدفقات المالية غير المشروعة، وهي؛ بربادوس، بلغاريا، بوركينا فاسو، الكاميرون، جمهورية الكونغو الديمقراطية، كرواتيا، جبل طارق، هايتي، جامايكا، مالي، موزمبيق، نيجيريا، الفلبين، السنغال، جنوب أفريقيا، جنوب السودان، أوغندا، تنزانيا، سوريا، تركيا، دولة الإمارات، فيتنام، واليمن.
في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلنت مجموعة العمل المالي لمراقبة الجرائم المالية (فاتف) أنها ستجري زيارة ميدانية إلى دولة الإمارات بحلول فبراير/شباط 2024، للتحقق من استكمال خطة العمل الوطنية.
- خلال 2023.. الإمارات تحقق نتائج قوية في مواجهة غسل الأموال
- الإمارات ومكافحة غسل الأموال.. جهود نوعية وإشادات دولية
ماذا يعني خروج دولة الإمارات من قائمة «فاتف» الرمادية؟
استكمال خطط العمل الوطنية على وجه السرعة وضمن الأطر الزمنية المتفق عليها مع «فاتف»؛ هذا ما أنجزته دولة الإمارات وفق أعلى معايير الشفافية المالية وتنافسية فائقة، حتى أصبحت اليوم نموذجاً عالمياً يحتذى بمجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وكان تقرير صدر عن وكالة «بلومبرغ» للأنباء، في 19 فبراير/شباط 2024، قد رجح أن تخرج دولة الإمارات من "القائمة الرمادية" التي تعدها دورياً مجموعة العمل المالي في باريس، وذلك في أعقاب حملة أجرتها لكبح التدفقات المالية غير المشروعة بالداخل والخارج.
وأجرى أعضاء من فريق مجموعة العمل المالي زيارة ميدانية لدولة الإمارات، خلال يناير/كانون الثاني الماضي، وأشارت تعليقاتهم إلى تقدم كبير أحرزته دولة الإمارات.
وكانت «بلومبرغ» ذكرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن مندوبين من 3 أعضاء على الأقل في مجموعة العمل المالي، الذين أيدوا في السابق إدراج الإمارات في قائمة الدول الخاضعة لمزيد من الرقابة، يؤيدون الآن شطبها من القائمة الشهر الجاري.
وأُدرجت دولة الإمارات على قائمة «فاتف» الرمادية للدول التي تخضع لمراقبة أكبر في مارس/آذار 2022. وردت دولة الإمارات بالقول إنها ملتزمة بالعمل الوثيق مع المجموعة من أجل تحسين الوضع.
وقال ديفيد لويس، السكرتير التنفيذي السابق لمجموعة العمل المالي والذي يشغل الآن منصب العضو المنتدب في شركة كرول: "سيكون من غير الطبيعي وصول دولة الإمارات إلى هذه المرحلة وعدم حذفها من القائمة".
وللخروج من القائمة الرمادية، يجب أن تصوت أغلبية كبيرة من أعضاء مجموعة العمل المالي على أن الدولة المعنية قد حققت تقدماً كافياً منذ بدء فترة التقييم. وتضم المجموعة ما يقل قليلاً عن 40 عضواً.
وفي جلسة عامة لها في يونيو/حزيران 2023، سلطت مجموعة العمل المالي الضوء على التقدم الذي أحرزته دولة الإمارات في عدد من المجالات؛ إذ عززت هيئة تنظيم الأصول الافتراضية في دبي إجراءات الإنفاذ ضد الشركات غير الخاضعة للوائح، وشددت على إمكانات التحول إلى مزيد من المعاملات على سلسلة الكتل "بلوكتشين" كبديل للنقد، والمساعدة التي يقدمها للتصدي للجرائم مثل غسيل الأموال.
وتكشف الإنجازات المتحققة عن أن دولة الإمارات تسير بثبات لتحقيق الأهداف المنصوص عليها في الاستراتيجية الوطنية، كما تُظهر المقاييس الرئيسية مستوىً عالياً من الأداء والالتزام بالمعايير الدولية، وقد أبرزت مراجعة نهاية العام 2023 أيضًا أن دولة الإمارات تنسق بشكل وثيق مع الشركاء الدوليين على أساس ثنائي، ومن خلال عضويتها في المنظمات المتعددة الأطراف.
وقد أوضحت الحكومة الإماراتية أنها وسعت معاهداتها الخاصة بتبادل المساعدات القانونية إلى 45 دولة، بما فيها تركيا. وأرسل المسؤولون 119 طلب مساعدة قانونية إلى أكثر من 40 ولاية قضائية في النصف الأول من 2023، وفقاً لتأكيد دولة الإمارات. وفي تلك الفترة، قالت دولة الإمارات إنها تلقت 202 طلب مساعدة قانونية، واستجابت لـ64% منها.
فيما فرضت دولة الإمارات ما يقرب من 250 مليون درهم (68 مليون دولار) غرامات لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو ما يمثل زيادة بأكثر من ثلاثة أضعاف عن العام السابق.
ونفذت وزارة الاقتصاد وحدها 3173 جولة تفتيشية بين يناير/كانون الثاني وأكتوبر/تشرين الأول 2023، نتج عنها توقيع غرامات مالية على 284 منشأة بقيمة 91.5 مليون درهم.
وقد أظهرت المراجعة التفصيلية للعام المنصرم 2023 أن نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في دولة الإمارات العربية المتحدة يتسم بكونه أكثر ديناميكية وفاعلية.
مكتسبات تنافسية للاقتصاد الإماراتي
من شأن رفع دولة الإمارات من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي «فاتف»، إعطاء إشارة إلى التحسن السريع الذي حققته.
وتعد دولة الإمارات مركزاً مالياً ناشئاً، وأهميتها للسوق المالية العالمية يؤكد المرونة التنافسية التي اتسمت بها دولة الإمارات في مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة.
وتعمل البنوك الإماراتية بتوجيه وإرشادات من المصرف المركزي، على تشديد التدقيق في معاملات مواطنين من عدة جنسيات، من بينهم الروس، وذلك ضمن الجهود التي بذلتها الحكومة بهدف الرفع من القائمة.
كما شُددت الرقابة على تحويلات الأموال؛ إذ طالبت بعض البنوك بمزيد من المستندات، وجمدت الأموال في بعض الأحيان، في إطار بحثها عن أسباب التحويلات أو استفسارها عن مصدر تلك الأموال.
ومن المتوقع أن يلاقي رفع دولة الإمارات من القائمة الرمادية ترحيباً من البنوك الأمريكية على وجه الخصوص، خصوصاً أن العديد منها يقوم بعمليات كبيرة داخل الدولة.
ومن شأن إخراج دولة الإمارات من القائمة، أن يؤثر بشكل إيجابي على التصنيفات السيادية وتصنيفات البنوك المحلية، كما سيعزز من الاستقرار المالي وتنافسية القطاع المصرفي الإماراتي، ما يعني ثقة أكبر للمستثمرين الدوليين في مؤسسات البلاد، وأيضاً فتح آفاق أرحب أمام التجارة العالمية وبرامج الاتفاقيات الاقتصادية الاستراتيجية الشاملة.
aXA6IDE4LjE5MS4yMDAuMjIzIA== جزيرة ام اند امز