كثر في الآونة الأخيرة حديث الروس عن ضرورة رحيل القوات الأجنبية من سوريا والجبهة الجنوبية على وجه التحديد
كثر في الآونة الأخيرة حديث الروس عن ضرورة رحيل القوات الأجنبية من سوريا والجبهة الجنوبية على وجه التحديد، وهذا ما أتى عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكرره وزير خارجيته سيرجي لافروف غير مرة.
من الواضح أن الروس لم يقصدوا قواتهم وهذا مسلّم به للجميع، إذاً المقصود هو القوات الإيرانية التي تنفي دمشق وجودها وتقول إنّ ثمّة مستشارين إيرانيين فحسب على أراضيها، وهذا لا يتطابق مع الواقع كثيراً إذ إنّ الكثير من المليشيات المدعومة من قبلها تقاتل إلى جانب الجيش السوري وتتلقى أوامرها من قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني؛ الذي يتنقل في الساحات جيئة وذهاباً، وعلى مرأى الجميع دون مقدرة الروس على الحد من نفوذه وتحركاته بسبب حاجة موسكو للعنصر البشري المساند لطيرانها.
رأس إيران سيكون ثمن الحل السياسي المقبل في سوريا، خاصة أن موسكو استطاعت خلال الفترة الماضية إقناع بعض الأطراف الدولية بمشروعية النظام القائم، وهذا ما جعل الملف السوري يتراجع في أجندات الدول المعنية.
تصريحات المسؤولين الروس استنفرت نظراءهم الإيرانيين للقول صراحة إنّ موضوع رحيل مستشاريهم وقواتهم لن يكون إلا بالتوافق مع الحكومة السورية؛ في رد واضح على موسكو التي على ما يبدو وصلت إلى قناعة مفادها أنّ مفتاح الحلّ في سوريا لا يقتصر على طرد عناصر المعارضة من المدن الرئيسة، حلب وحمص والغوطة بشقيها الغربي والشرقي، وإنّما بتهيئة الظروف لخلو الساحة السورية من العناصر المستفزة، ومنها إيران ومليشياتها العراقية والأفغانية وكذلك مليشيا حزب الله اللبناني، فما عادت الحاجة ماسة لوجود هذا الكم من القوات على الأرض بعد الجغرافية العسكرية الجديدة، والسيطرة التي حققتها القوات النظامية وعزمها على فتح جبهات جديدة بعد شعورها بنشوة الانتصار، وإلا كيف تسرح قيادة أركان الجيش السوري الدورة 102 وهي في حرب تصفها بالكونية.
في الواقع ستخرج إيران من سوريا إن لم يكن برضاها فرغماً عنها لسببين:
الأول يكمن بحاجة موسكو الماسة لإقناع المجتمع الدولي بأنّ غايتها في سوريا ليست البقاء الدائم، وإنّما للحفاظ على مؤسسات الدولة وهذا ما تم وإنْ كان بشكل منقوص، وهذا يقتضي بالنتيجة الطلب من الحليف الإيراني المغادرة وتصدر الواجهة بالتنسيق مع دمشق الراضية نوعاً ما عن هذا الطلب وإن لم تصرح بذلك، لأن الحاضنة الشعبية لإيران غير متوفرة في سوريا ولا أرض خصبة لها هناك رغم دعم الأخيرة للنظام الذي يدرك الكثير من قادته العسكريين بأنّ وجود طهران على الأرض السورية سيكون له تبعات سلبية لن يقوى الجسم العسكري على تحملها بعدما أنهكته حرب دخلت سنتها الثامنة.
الثاني يرجع إلى الداخل الإيراني ومدى قدرته على تحمل العبء المترتب على المكوث في سوريا فترة أطول، وما تصرفه طهران من أموال للحفاظ على ما تسميه نظرية التوازن في المنطقة، وهذا ما سيكلفها الكثير ليس من الناحية الاقتصادية، وإنّما على الصعيد الشعبي الرافض بالمطلق باستثناء عناصر الحرس الثوري والشخصيات المحسوبة على المرشد علي خامنئي، البقاء في الساحات الخارجية على حساب الداخل الذي يعاني من ظروف معيشية قاهرة وفقر منتشر على مساحة إيران الواسعة.
رأس إيران سيكون ثمن الحل السياسي المقبل في سوريا، خاصة أنّ موسكو استطاعت خلال الفترة الماضية إقناع بعض الأطراف الدولية بمشروعية النظام القائم، وهذا ما جعل الملف السوري يتراجع في أجندات الدول المعنية.
في الواقع نستطيع القول إنّ الدور الروسي رسم المشهد كما يشتهي زعيم الكرملين القادم من خلفية مخابراتية، وهو يدرك أن أي حل يحتاج إلى حاملين الأول عربي والثاني دولي.
العرب لن يقبلوا وجود إيران في بلد هم سموه قلب العروبة لذلك تراهم يشاطرون الروس ضرورة الحفاظ على الدولة السورية (راجع التصريحات المصرية وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية والأردن في هذا الشأن)، والبعض منهم قد يكون حصل على ضمانات من موسكو بعدم السماح لطهران التوسع أكثر أو استغلال الساحة السورية لبسط نفوذها غير المرحب به في المنطقة.
أما الحامل الدولي فهو الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون الذين تسكتهم قضية الحفاظ على أمن إسرائيل وعدم انجرار الفوضى إلى داخلها من سوريا، والحصول على بعض امتيازات إعادة إعمار سوريا وسماع وشوشة الروسي بأنّه الوحيد الباقي في سوريا وعزمه طرد الإيراني، ومن يتبع له من أذرع مليشياوية، وهذا ما سيُرضي جميع الأطراف بمن فيها المعارضة التي لم يبق لديها الكثير من الأوراق لتفاوض عليها، وقد يتحول مطلبها من إسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد إلى طرد إيران من سوريا، والقبول بمحاصصة السلطة مع النظام القائم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة