من غابة تويتوبورغ إلى العراق.. ما هي «حرب العصابات»؟
طوال تاريخ البشرية، وجد الناس تكتيكات متنوعة في ساحات القتال يمكن بها لمجموعة أصغر حجمًا وأقل تجهيزًا التغلب على قوة تقليدية أكبر أو جيش، وأبرزها «حرب العصابات».
واستخدمت هذه التقنية بنجاح بدءا من رجال قبائل جرمانيا خلال معركة غابة تويتوبورغ إلى حرب العراق الحديثة.
- ثعابين حنبعل وقنابل العقارب.. أشهر أسلحة الحرب البيولوجية بالتاريخ
- الطاقم فقد السيطرة ووقف يشاهد.. تصادم سفينتين حربيتين بريطانيتين
حرب العصابات
تأتي حرب العصابات من الكلمة الإسبانية guerra، التي تعني الحرب، وتستخدم لوصف قوات متمردة صغيرة الحجم وسريعة الحركة تقاتل ضد جيوش أكبر حجمًا وأفضل تجهيزًا في كثير من الأحيان.
وتشمل التقنيات التي يستخدمها المتمردون هجمات الكمائن، والفخاخ، والتخريب التي يمكنها التغلب على التدريب والمعدات والأعداد المتفوقة للعدو.
استخدم المصطلح لأول مرة لوصف الثوار الإسبان والبرتغاليين الذين طردوا الفرنسيين من أيبيريا خلال حرب شبه الجزيرة (1808-1814). عبر عمليات فدائية ضد الجيش النابليوني، وتمكن رجال حرب العصابات من لفت انتباه الفرنسيين بعيدًا عن الجيوش النظامية البريطانية، مما جعلهم عرضة للهجوم.
تعتمد حرب العصابات بشكل كبير على الخوف من الكمين لتكون أسلوبًا ناجحًا، ولهذا السبب تم استخدامها مرارًا وتكرارًا عبر التاريخ من قبل قوة أصغر تحاول التصدي لجيش أكبر.
معركة غابة تويتوبورغ (9 م)
أحد الأمثلة الرئيسية لحرب العصابات يأتي من معركة غابة تويتوبورغ في العام التاسع الميلادي، حيث هزمت مجموعة صغيرة من رجال القبائل الجرمانية ثلاثة فيالق رومانية.
كان الخصم الرئيسي لروما في جرمانيا هو الزعيم القبلي أرمينيوس، الذي تلقى تدريبًا رومانيًا قبل أن ينشق عائداً إلى قبيلة تشيروسي ردًا على غزو وطنه.
ومن خلال قيادة تحالف من القبائل ومع معرفة مباشرة مفصلة بتكتيكات المعركة الرومانية، تمكن أرمينيوس من مواجهة التقدم الروماني بشكل فعال واستخدام حرب العصابات لتحويل التضاريس ضد الجحافل الرومانية.
للاستعداد للغزو القادم، قام أرمينيوس ببناء سور كبير من الرمال والعشب في كالكريسي حول الغابات الكثيفة والمستنقعات التي دفعت الطابور الطويل من الجنود والأمتعة إلى عنق الزجاجة.
وعندما بدأ المطر يهطل، تدفقت المياه من التلال إلى الوادي الضيق الذي كانت الجحافل الرومانية تسير عبره، حيث أعاقت الظروف الزلقة والمستنقعية الجنود ولم تمنحهم أي فرصة للاستفادة من أي تشكيلات قتالية رومانية.
وتمكن رجال القبائل المسلحين من استغلال ظروف الطقس وشن هجوم على القوات الرومانية الذين تقطعت بهم السبل، مما أسفر عن مقتل الآلاف في هذه العملية.
حرب العصابات في العراق
وعلى الرغم من مرور قرون منذ زمن أرمينيوس، إلا أن العديد من التقنيات التي استخدمتها القبائل الجرمانية في تويتوبورغ لا تزال قيد الاستخدام. ولا تزال مجموعات صغيرة تستخدم المفاجأة والتخريب ونصب الكمائن ضد قوات احتلال أكبر.
وقد لوحظت مثل هذه التكتيكات العسكرية أيضًا خلال حرب العراق (2003-2011)، حيث استخدم العراقيون الكمائن والأسلحة البدائية لمهاجمة قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.
وكان أحد التكتيكات الرئيسية التي استخدمها العراقيون هو «العبوات الناسفة محلية الصنع» التي يتم تفجيرها في كثير من الأحيان باستخدام نظام تشغيل عن بعد، مما يعني أنه لا يتعين عليهم تعريض أنفسهم للخطر.
وتسببت هذه الأجهزة في حوالي نصف الوفيات والإصابات القتالية خلال الحرب وأثبتت فعاليتها للغاية ضد قوات التحالف من حيث إعاقة الجنود وتدمير المركبات والمعدات.
أسلحة العراق وأفغانستان
وأظهرت التكنولوجيا التي استخدمها العراقيون أثناء الغزو تقدما في تكتيكات «حرب العصابات» مع الحفاظ على المبادئ الأساسية مثل نصب الكمائن والتخريب.
وكان استخدام العبوات الناسفة فعالاً أيضًا من حيث التسبب في أضرار نفسية للجنود بسبب الخوف من الاصطدام بها والإصابة بالاضطرابات العقلية مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وقد لعب هذا دورًا في الإضرار بواجبات الجنود.
وفي أفغانستان، تمكنوا باستخدام معرفتهم التفصيلية بالتضاريس المحلية لزرع العبوات الناسفة في المناطق الطبيعية من أجل وقف تقدم القوات النظامية للتحالف.
وقد سمح لهم هذا الاستخدام الذكي للتضاريس والتخفي بتجنب مواجهة قوات التحالف في حرب مفتوحة، مما سمح بدوره للقوة الأصغر بالصمود لفترة أطول.