قصة أقدم بنك ادخار في التاريخ.. هوس ألماني تحول إلى عادة
للادخار تاريخ طويل في المجتمع الألماني، فقد تم افتتاح أول بنك ادخار عام 1778 في هامبورغ.
وبحلول عام 1836 كان هناك أكثر من 300 من بنوك الادخار العاملة في الاتحاد الألماني آنذاك، مما سمح للألمان بادخار دخلهم الذي حصلوا عليه بشق الأنفس مقابل بعض الفوائد.
وتوجد شواهد كثيرة على أن مفهوم الادخار كان له أهمية كبيرة في هذه الفترة، حيث أصبح الادخار جزءا أساسيا من التخطيط الضريبي وتوفير الرعاية الاجتماعية والسياسات الاجتماعية في البلاد.
جعل إرث الإدخار من الألمان أفضل المدخرين في العالم، حيث ادخرت الأسر بشكل ثابت أكثر من 8% من دخلها المتاح على مدى العقدين الماضيين، وفقا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
كانت المرة الأخيرة التي اقتربت فيها الأسر البريطانية من معدل الادخار الألماني في عام 1995. وبعد عقدين من الزمن، في عام 2015، يحتفظ المدخرون الألمان بما يعادل 9.96% من دخلهم المتاح في بنوك الادخار الـ400 في البلاد، في حين يحتفظ البريطانيون بنسبة 0.16% فقط.
وبالنظر إلى إجمالي مدخرات الأسر والشركات والحكومة (إجمالي المدخرات المحلية) في هذين البلدين، فإن الفجوة كبيرة بنفس القدر. في عام 2015، بلغ إجمالي المدخرات المحلية في ألمانيا 27.2% بينما يظهر الرقم في المملكة المتحدة 15.3% فقط.
فالألمان لا يدخرون أكثر مما يدخره نظراؤهم في المملكة المتحدة فحسب، بل إن هذه العادة الوطنية العميقة الجذور لها آثار أكثر مما تكشفه هذه الأرقام.
أهمية الادخار
فهم الهوس الألماني بالادخار أمر بالغ الأهمية عندما يرغب المرء في فهم المواقف الألمانية تجاه السياسات المحلية والأوروبية.
على سبيل المثال، منذ عام 2012، كان سعر الفائدة الرئيسي للبنك المركزي الأوروبي أقل من 1%، وفي مارس/أذار 2016 تم تخفيضه إلى 0%. وكان السبب وراء أسعار الفائدة المنخفضة هذه، إلى جانب البرامج الكبيرة للتيسير الكمي، هو تحقيق الاستقرار في القطاع المصرفي الأوروبي وتشجيع الإقراض والإنفاق والانتعاش الاقتصادي.
وقد أشادت مختلف الحكومات بهذه الخطوة على نطاق واسع، لكن في ألمانيا، تعرضت هذه السياسة لانتقادات من جانب جمهور الادخار في البلاد، الذين كانوا يخشون أن تؤدي أسعار الفائدة المنخفضة إلى تدمير ثرواتهم وتدمير خطط التقاعد الخاصة بهم.
ولا يقتصر الادخار في ألمانيا على الأسر أو الشركات، بل تشمل الموارد المالية للدولة أيضا. الدولة الجيدة لا تعيش بما يتجاوز إمكانياتها وتوفر المال حيثما تستطيع. وتقع الدولة، التي يُنظر إليها باعتبارها ربة المنزل الفاضلة والحكيمة، في قلب السرد الألماني المؤيد للتقشف، والذي لم يؤثر على السياسات المحلية فحسب، بل على السياسات الأوروبية في المقام الأول.
في أعقاب أزمة الديون السيادية الأوروبية، كان تنفيذ سياسات التقشف في المحيط الجنوبي، وتحديداً اليونان، مبرراً بضرورة خفض الإنفاق وزيادة المدخرات. وليس من المستغرب أن تكون ألمانيا واحدة من أبرز المدافعين عن هذه السياسات المالية. وفي النفس الألمانية كان التقشف بمثابة الترياق الضروري لبلد عاش بتهور بما يتجاوز إمكانياته حتى عام 2008.