"دبلوماسية القمح".. صراع خفي بين فرنسا وروسيا على شواطئ المتوسط
نجحت روسيا في تصدير نصف الحبوب التي تستوردها الحكومة اللبنانية، لتجلب الحبوب مكسبا للدبلوماسية الروسية في لبنان والشرق الأوسط.
بدأت فرنسا تمارس "دبلوماسية القمح" لاستعادة لبنان التي تعتبر سوقها المفضل في منطقة البحر المتوسط، بعدما نجحت روسيا في اقتناص نصف السوق خلال عقدين من الزمان.
ويقف وراء شحنات القمح والطحين الفرنسية التي ترسل إلى لبنان، صراع آخر بين منتجي الحبوب الأوروبيين والروس في حوض المتوسط.
وأثارت مشاهد مرفأ بيروت المدمر، لا سيما صوامع القمح التي لم يبق منها سوى جانب واحد بعد الانفجار الذي ألحق دمارا هائلا في أحياء كاملة من العاصمة اللبنانية، موجة تضامن غير مسبوقة في فرنسا
وانفجار ميناء بيروت في 4 آب/أغسطس الجاري، خلف 188 قتيلا وأكثر من 6500 جريح.
ونجحت روسيا في تصدير نصف الحبوب التي تستوردها الحكومة اللبنانية رغم أنها لم تكن تصدر شيئا على الإطلاق في بداية التسعينات، لتجلب الحبوب مكسبا للدبلوماسية الروسية في لبنان والشرق الأوسط.
طن قمح مساعدة
وفي 6 أغسطس/آب الجاري، دعا غويو مزارعي الحبوب الفرنسيين على تويتر إلى ان يقدم كل منهم "طنا من القمح من أجل لبنان".
وتابع: بالنسبة إليه، "كثر يريدون تقديم المساعدة" رغم موسم الحصاد السيّئ هذا العام والصعوبات اللوجستية لنقلها.
وأضاف "علينا أن نكون أكثر تنظيما".. وبهدف القيام بذلك، قام أصحاب المطاحن الفرنسيون بذلك بسرعة كبيرة.
وخلال نهاية أسبوع واحدة، نقلت حوالي 20 مطحنة مثل "أكسيريال" "وسوفليه" و"جيراردو" و"جافيلو" 500 طن من الدقيق إلى تولون.
ثم سلمتها البحرية الفرنسية لبيروت لتوزيعها لاحقا على منظمات محلية غير حكومية.
وقالت كارين فوريست مالكة مطاحن "فوريست" في كلوني لوكالة فرانس برس "كانت قضية أمن غذائي وكانت ستؤثر علينا بالطبع".
في كتب التاريخ، يوقظ أي نقص في القمح شبح ارتفاع الأسعار والمجاعات والعنف وزعزعة الاستقرار في البلدان.
وللبنان تاريخ مع فرنسا وعلاقات وثيقة جدا معها وهو غارق منذ عام في أزمة اجتماعية صعبة جدا.
لكن إذا لم يستقر لبنان، فإن الإرهاب هو الذي قد ينمو حول منطقة البحر الأبيض المتوسط ، وفق ما قال جان فرنسوا لويزو رئيس جمعية المطاحن في فرنسا.
وفرنسا ليست الدولة الوحيدة التي تساعد لبنان. ففي المجموع، خطط برنامج الغذاء العالمي، وهو وكالة تابعة للأمم المتحدة تدير مساعدات الطوارئ، لإرسال 50 ألف طن من الدقيق إلى لبنان.
كما هناك حاجة ماسة إلى إعادة بناء صوامع التخزين.
سفينة من القمح
وقال تييري بلاندينيير رئيس مجموعة تعاونيات "إن فيفو" لوكالة فرانس برس إن سفينة محملة 25 ألف طن من قمح الخبز من المقرر أن تغادر نانت "في أكتوبر/تشرين الأول".
وهذه العملية نتجت من شراكة بين تعاونيات زراعية عدة ووزارتي الزراعة والخارجية.
وأوضح بلاندينيير "الأمر متروك لنا لإظهار أننا موجودون في الأوقات الصعبة للحفاظ على علاقاتنا مع هذا البلد، ومع بقية بلدان منطقة البحر الأبيض المتوسط".
ويريد منتجو الحبوب الفرنسيون والأوروبيون من خلال حملة التضامن هذه الحفاظ على مكانتهم في البحر الأبيض المتوسط في مواجهة روسيا التي أصبحت في العام 2019 أكبر مصدر للقمح في العالم.
وقال الباحث سيباستيان أبي مؤلف كتاب "جيوبوليتيك دو بليه" (2015) "في لبنان، تصدر روسيا نصف الحبوب التي تستوردها الحكومة" بينما "لم تكن تصدر شيئا على الإطلاق في بداية التسعينات".
وأوضح الباحث أنه مع تدهور ظروف الإنتاج المحلي ووصول أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، ازدادت الواردات اللبنانية ثلاث مرات خلال عشر سنوات لتصل إلى حوالى 1.5 مليون طن مقابل 500 ألف طن في العام 2010.
وتابع، قد يكون وزع جزء منها في سوريا "في ظل ظروف غامضة بعض الشيء".
واضاف انه بالنسبة إلى روسيا، "إنها دبلوماسية القمح: تم التركيز على صادرات الأسلحة الروسية إلى المنطقة، لكن الحبوب هي التي جلبت مكسبا للدبلوماسية الروسية في لبنان وفي أنحاء الشرق الأوسط".
وتابع الباحث أن الروس يضعون نصب أعينهم المغرب العربي وتحديدا تونس والمغرب، الزبائن التقليديين لفرنسا ودول أوروبية أخرى.