رسم رد مليشيا حزب الله في لبنان على إسرائيل ابتسامةً عريضة على وجوه الكثير من المراقبين والمتابعين ورواد مواقع الإعلام الاجتماعي، بسبب الطبيعة الهزلية لهذا الهجوم، والنتائج الصفرية له على مستوى الداخل الإسرائيلي.
من حيث التوقيت والأهداف والتبريرات التي ساقها قادة ومؤيدو هذه المليشيا، وهم يحاولون إقناع العرب و غير العرب أن الرد حصل وأنه بالفعل رد حقيقي.
و بما أن «شر البلية ما يضحك»، لا بد لنا من استعراض ماهية الحقائق في دقائق بهدوء تام وحيادية تفضي إلى تفاصيل خبرية، وأطر واقعية مبنية على المعلومات الصحيحة بعيداً عن التضليل الإعلامي الحاصل هنا وهناك، كي يستفيد القارئ الكريم من كل كلمة في هذا المقال.
أولاً: لطالما تبجح زعيم المليشيا اللبنانية حسن نصر الله بمقولة الـ ١٠٠ ألف صاروخ التي يزعم امتلاك عناصره لها، وأن تلك الصواريخ قادرة على محو إسرائيل وغير ذلك من الكلام الذي سبق فوضى السابع من أكتوبر/تشرين الأول في المنطقة.
لكن بمجرد أن انقشع غبار المواجهات بين إسرائيل ومليشيا حزب الله، وجد الجميع حسن نصر الله متمسكاً بقواعد الاشتباك، بل ومعلناً قبل غيره عن خياره المحدود بعدم فتح جبهة حقيقية تؤدي إلى حرب شاملة.
ثانياً: لا يُلام قادة المليشيات ومنهم حسن نصر الله على ذلك، لأنهم في نهاية المطاف مجرد منفذين لأوامر إيرانية، تؤطرها مصالح الحرس الثوري في طهران، وتستفيد منها الحكومة الإيرانية، التي ترى في تلك المليشيات قواعد متقدمة لها في المنطقة لتحسين شروطها التفاوضية مع الغرب، بحسب كلام خطير ومباشر لوزير خارجية إيران الجديد عباس عراقجي أمام برلمان بلاده قبل أيام.
ثالثاً: لعل حظائر الدجاج في إسرائيل كانت أكبر الجهات المتضررة من هجمات مليشيا حزب الله، وهذه مفارقة مضحكة تجمل المشهد البائس لفصيل مسلح وخارج عن القانون في بلده، ومكروه من قبل أغلبية الشعب اللبناني، ومهما ساق أتباع الشعارات والعنتريات من اتهامات للآخرين، فإنهم عاجزون عن إثبات أي أمر آخر.
رابعاً: والتفسير الأكثر منطقية لإحجام طهران عن الزج بمليشياتها في أتون حرب مصيرية مع إسرائيل، مرده غاية أكثر خبثاً و سرية، ألا وهو الحرص الإيراني الشديد على عدم فقد النفوذ غير الشرعي الذي يتمتع به كل من العراق ولبنان واليمن.
أما سوريا، فإن روسيا بحسب الوقائع ضبطت الإيقاع العسكري فور الإعلان عن عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول المشؤومة، وأخطرت طهران بصريح القول، أن سوريا ليست جبهة مفتوحة مع إسرائيل، وقد صادق على ذلك الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه أمام مجلس الشعب في بلده قبل أيام.
خامساً: كان للبارجات الأمريكية والمدمرات الأمريكية كما الغواصات النوعية التي جاءت إلى منطقة الشرق الأوسط بأمر مباشر من سيد البنتاغون وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستين الكلمة الفصل في هذا الصراع، فإيران تعرف حدودها جيداً مع العم سام، وهي على يقين أن واشنطن ستكون مجبرة لإصابة نظام طهران بمقتل، إن هو باشر العمل مع مليشياته لضرب العمق الإسرائيلي وإيقاع إصابات خطيرة.
سادساً: بوسع المليشيات أن تقول ما تريد دون حسيب أو رقيب، لكن الواقع كما الوقائع تثبت يوماً بعد يوم أن المجانين وحدهم من يصدقون أن تحرير القدس وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هدف إيراني جدي، ولعل المجنون الوحيد الذي صدق ذلك هو «يحيى السنوار» مهندس ما يسمى طوفان الأقصى.
فالرجل الذي عاش أغلب سنوات عمره في سجون إسرائيل، ظن أن طهران حليف حقيقي لحركته وكتائبه، وأن إطلاق عملية عسكرية بهذا المدى الكارثي ستجعل إيران تتحرك فوراً وتقف إلى جانبه في غزة وفلسطين، لكن كل محاولاته ورسائل استجدائه لما يسمى بمحور المقاومة بالتحرك باءت بالفشل، ودفع الثمن سكان قطاع غزة الأبرياء.
سابعاً: وإذا كانت المليشيات تمتلك مشاريع البطيء والسريع عبر الجحور والكهوف والأنفاق والعبث اللامتناهي، فإن دولاً عاقلة في المنطقة تملك بالمقابل مشاريع الحياة والبنيان وخدمة الإنسان وتحقيق المعيشة الأمثل لمن يبحث عنها، عبر الحوار والتفاهم والتفاوض والإصغاء لمطالب الناس في القرن الحادي والعشرين، والتعويل بعد الله على هذه الدول والقيادات الرشيدة بها لإنهاء هذه الموجة الساخنة من عنف غير مسبوق.
وخلاصة ما أود الإشارة إليه يمكن حصرها بمفهوم رئيسي ما زلتُ أذكر به وأشدد عليه ومثلي كثر، الإنسان محور التنمية في المنطقة والعالم، وعلاجه كما تعليمه وتأمين العمل والأمل له، غايات سامية تنفع البشرية جمعاء، وتخلص المجتمعات العربية وغير العربية من آفة الشعارات والمزايدات والمليشيات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة