الهيدروجين الأخضر.. طاقة نظيفة حافلة بالفرص للعرب من المحيط إلى الخليج

حظي الهيدروجين الأخضر باهتمام واضح خلال مؤتمرات الأطراف المناخية (COPs)؛ خاصة قمتي COP27 في مصر، وCOP28 في الإمارات، وقد ترجم هذا الاهتمام بشكل مباشر في صورة مشاريع ضخمة عديدة، خاصة في المنطقة العربية التي تحمست لاغتنام الفرص التي يوفرها القطاع.
ومع تفاقم الاحترار العالمي، وارتفاع درجات الحرارة المستمرة التي وصل متوسطها إلى 1.55 درجة مئوية خلال العام 2024، بحسب "المنظمة العالمية للأرصاد الجوية" (WMO)، زادت أهمية الجهود الدولية للتخفيف وخفض الانبعاثات الدفيئة، وذلك باللجوء إلى مصادر الطاقة المتجددة والتي من خلالها يستطيعون الحصول على الطاقة، ومن جانب آخر، يخفضون الانبعاثات الدفيئة.
ما هو الهيدروجين الأخضر؟
والهيدروجين الأخضر هو أحد أنواع وقود الهيدروجين، وينتج عن طريق تقسيم جزيئات الماء باستخدام التحليل الكهربائي؛ إذ يتكون جزيء الماء من ذرتين هيدروجين وذرة أكسجين، وفقًا للصيغة الكيميائية للماء (H₂O)، ولفصلهما عن بعضهما، يلجأ الباحثون إلى التحليل الكهربائي. وهذا يعني أنّ الكهرباء جزء أساسي من تلك العملية.
لكن في حالة الهيدروجين الأخضر، يعتمد المتخصصون على مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، لذلك، يُسمى بالهيدروجين الأخضر؛ تعبيرًا عن صداقته للبيئة، وهو يختلف بالطبع عن الهيدروجين الرمادي الذي يعتمد على مصادر الطاقة غير المتجددة وغير النظيفة مثل الوقود الأحفوري.
تحديات
وعلى الرغم من الفوائد المتعددة للهيدروجين الأخضر، إلا أنّ هناك تحديات عدة تواجه هذا القطاع، نذكر منها:
1- التكلفة المرتفعة
مشاريع الهيدروجين الأخضر ضخمة، وتحتاج إلى مصانع ومعدات خاصة، ليس هذا فقط، بل إنها تحتاج إلى مصادر الطاقة المتجددة، ومن المعروف أيضًا أنّ الطاقة المتجددة تحتاج إلى تكلفة مرتفعة في البداية بعد ذلك تُصبح موفرة؛ بسبب المعدات والألواح والتوربينات والمعدات الأخرى المكلفة، حيث يحصد صاحب المشروع العائد بعد مرور فترة زمنية من تشغيل الأجهزة؛ خلال تلك الفترة يُعوّض التكلفة المادية التي أنفقها في بداية المشروع، بعدها يحصل على العائد.
أضف إلى ذلك المعدات الأخرى والعمالة والخبراء، كل تلك العوامل تجعل ميزانية مشاريع الهيدروجين الأخضر كبيرة نسبيًا، ما يعوق الأفراد من الاتجاه إليها. لذلك؛ فغالبًا تتبنى مثل تلك المشاريع الشركات الكبيرة والحكومات. مع ذلك، ما زالت هناك بعض الآمال؛ فوفقًا لموقع "المنتدى الاقتصادي العالمي"؛ فقد وصلت أسعار أجهزة التحليل الكهربائي في عام 2018 إلى نصف مليون يورو، بعد أن كانت تصل إلى 4 ملايين يورو.
2- البنية التحتية
ما زالت هناك تحديات في البنية التحتية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، والتي تتطلب تطوير حلول للتخزين وشبكات التوزيع ومرافق الإنتاج، وغيرهم من أساسيات البنية التحتية التي تتطلب تكلفة باهظة وأيدي عاملة ذات خبرة وكفاءة عالية وقادرة على تشغيل مشاريع ضخمة مثل هذه، إضافة إلى الخبراء والمتخصصين، وتحديد المواقع المناسبة لتلك المشاريع.
3- تحديات بيئية
يتطلب إنتاج الهيدروجين الأخضر كميات كبيرة من المياه؛ إذ يُستخرج الهيدروجين من جزيئات الماء -كما ذكرنا- وهذا قد يُشكل عائقًا في بعض المناطق التي تعاني بالفعل من نقص في نصيب الفرد من المياه، كذلك قد يُؤثر على حصة النظم البيئية بما فيها من تنوع حيوي.
من جانب آخر، تحتاج إقامة مشاريع الهيدروجين الأخضر إلى مساحات كبيرة، لذلك من الضروري عمل دراسة بيئية قوية قبل تحديد الموقع المناسب لإقامة المشروع.
ماذا عن COPs؟
حظي الهيدروجين الأخضر باهتمام واضح خلال مؤتمرات الأطراف المعنية بالتغيرات المناخية (COPs)؛ خاصة في أثناء COP27، والذي استضافته مدينة شرم الشيخ في مصر، وخلالها خرجت اتفاقات لتعزيز إنتاجية الهيدروجين الأخضر بحلول 2040. مرة أخرى في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث خرج من إكسبو دبي في أثناء فعاليات COP28، معاهدة الهيدروجين الأخضر، التي خلالها تعهدت أكثر من 30 دولة بتطوير اعتراف متبادل بأنظمة شهادات الهيدروجين الأخضر القائم على مصادر الطاقة المتجددة. وفي أثناء COP29 أيضًا الذي استضافته باكو عاصمة أذربيجان، خرج إعلان الهيدروجين، والذي يدعو إلى رفع مستوى الطموح ونشر مشاريع الهيدروجين الأخضر من مصادر الطاقة المتجددة، لتسهيل تحولات الطاقة وخفض الانبعاثات الدفيئة.
لكن هناك تطور!
حتى عام 2024، أُعلن عن أكثر من 1500 مشروع للهيدروجين الأخضر حول العالم، واستثمارات بمقدار 680 مليار دولار.
وعلق الدكتور جواد الخراز، منسق مبادرة تيراميد والمدير التنفيذي السابق للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة (RCREEE)، في تصريحات لـ"العين الإخبارية" قائلا: "شهد تطور الهيدروجين الأخضر، تقدمًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خاصة مع التركيز العالمي على الانتقال إلى الطاقة النظيفة لمواجهة أزمة المناخ".
أشار الخراز أيضًا إلى أنّ الطلب العالمي على الهيدروجين الأخضر في زيادة، وأنّ تكاليف التحليل الكهربائي في انخفاض، ما ييسر التقدم في مثل تلك المشاريع؛ خاصة في ظل السياسات الحالية التي تشجع على الاستثمار في مشاريع الهيدروجين الأخضر.
فرص واعدة من المحيط إلى الخليج
يرى الخراز أنّ الظروف الجغرافية للمنطقة العربية تجعلها مركزًا واعدًا للهيدروجين الأخضر ومصادر الطاقة المتجددة عمومًا، ويعود هذا في المقام الأول لوفرة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتي تسمح بإنتاج طاقة متجددة منخفضة التكلفة، ويتوقع ارتفاع إنتاجية الهيدروجين الأخضر إذا نشطت مشاريعها في المنطقة العربية؛ خاصة في دول مثل: مصر والمغرب وعمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وشرح الخراز باستفاضة مشاريع المنطقة الأبرز في مجال الهيدروجين الأخضر، بداية من السعودية، التي تقود مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر، بقيمة 8.4 مليار دولار، والتي وصلت إلى ما يزيد عن 80% من الهدف الذي وضعته في يوليو/تموز 2025؛ علمًا بأنّ هدفها هو الوصول العمل بنحو 4 غيغاواط من الطاقة الشمسية والرياح لإنتاج 600 طن يوميًا من الأمونيا الخضراء بحلول 2026، وهذا من شأنه أن يُوفر نحو 5 ملايين من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
أما في الإمارات، فهناك استراتيجية وطنية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ومشاريع مثل مركز دبي للبحث والتطوير، الذي ينتج هيدروجينًا أخضر على نطاق صناعي منذ 2022، وتوقعات لرفع القيمة السوقية للهيدروجين الأخضر بمقدار يصل إلى 1.25 مليار دولار سنويًا.
كما لفت الخراز إلى أهداف سلطنة عمان في هذا الصدد؛ إذ يقول أنّ هناك "اتفاقيات في سلطنة عمان للتصدير إلى أوروبا وآسيا، وتتجه سلطنة عمان لتكون مركزاً عالمياً للهيدروجين الأخضر عبر استراتيجية وطنية ومبادرات مثل شركة "هايدروم"، حيث خصصت أكثر من 50 ألف كيلومتر مربع لمشاريع الهيدروجين الأخضر، وأطلقت جولات استثمارية لجذب المستثمرين الدوليين". ويُضيف: "تعمل السلطنة على تطوير بنية تحتية متكاملة للهيدروجين الأخضر، بما في ذلك محطات لإنتاج الهيدروجين وتصدير الأمونيا، وتدعم ذلك من خلال أهداف رؤية عمان 2040 للحياد الكربوني".
وبخصوص مصر، فيشرح الدكتور الخراز قائلًا: "وفي مصر، حيث تستضيف أكثر من 36 مشروعًا في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وحدها، مع استثمارات ضخمة تصل إلى نحو 34 مليار دولار في اتفاقيات جديدة في يونيو/ حزيران 2024".
ويتابع: "بالإضافة إلى مشروع ضخم للهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء بمدينة الطور في جنوب سيناء بتكلفة 17 مليار دولار، والذي سيستهدف إنتاج الهيدروجين لتصديره إلى أوروبا".
أما عن المغرب؛ فيقول الخراز: "يُخطط المغرب لتطوير قطاع الهيدروجين الأخضر عبر إطلاق مشاريع بقيمة تتجاوز 300 مليار درهم، والتي تهدف لإنتاج الأمونيا الخضراء والفولاذ والوقود الصناعي بالتعاون مع مستثمرين عالميين. وقد وافقت لجنة حكومية قبل أقل من أسبوعين على 6 مشاريع استثمارية أولية في مناطق الجنوب لتنفيذ «عرض المغرب» الخاص بالهيدروجين الأخضر. كما من المرتقب أن يتم عرض آخر المشاريع وآفاق الهيدروجين الأخضر في مراكش في مطلع أكتوبر خلال فعاليات القمة العالمية للهيدروجين".
واستطرد "توقعاتي للمنطقة إيجابية للغاية، حيث يمكن أن تصبح مصدرًا رئيسيًا للتصدير إلى أوروبا وآسيا، مما يولد إيرادات تصل إلى تريليونات الدولارات ويخلق ملايين الوظائف، شريطة الاستثمار في البنية التحتية (مثل الموانئ والأنابيب) وتطوير المهارات المحلية لضمان انتقال عادل. ومع ذلك، يجب التركيز على تقليل المخاطر البيئية مثل استهلاك المياه والمعالجة الآمنة للمحلول الملحي الناتج عن تحلية مياه البحر، لتحقيق نمو مستدام".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTYg جزيرة ام اند امز