الفساد والطائفية يهددان أمن المجتمع العراقي ما يجعل الناس يعيشون في حالة خوف.وما يقوم بها مصطفى الكاظمي.
تتردى الأوضاع في العراق يومًا بعد الآخر، وسبب ذلك ليس السياسة بل بما تفرضه هذه السياسة من ثقافة التجهيل التي جاءت بها الأحزاب الدينية حيث اتخذت من الدين ستارًا لها في الحكم. ولعل أبرز هذه الوسائل هي سياسة التجهيل في معالجة الأمور، وحتى الخطيرة منها مثل التصدي لمرض كورونا الذي يذكرنا بعقلية القرون الوسطى. ويتجلى هنا الصراع بين المنهج الغيبي والمنهج العلمي، وهذا الأخير هو ما يجب أن تتمسك به قوى اليسار التي كان لها شأن كبير في توعية الناس إلا أنها ولأسباب ذاتية وموضوعية انحسرت عن تأدية واجبها التنويري الذي قامت به منذ بداية تأسيس الدولة العراقية في 1921.
جزء كبير في هذا النكوص هو انقساماتها وتشرذمها وصراعها الدموي حتى أخلت الساحة لقوى اليمين والتجهيل ما أدى إلى سيطرتها على شؤون الناس، وتدير رؤوسهم وعقولهم إلى المناطق الأكثر ظلامية في بلد كانت فيه الثقافة التي تقودها النخبة المثقفة شعلة مستنيرة أحدثت الفرق في مسيرة المجتمع العراقي المعاصر. ولعل ما أصاب اليسار يشبه المرض المزمن الذي ينخر في جسده حتى بات الحزب الواحد أو التجمع الواحد يعاني من تصدعات داخلية عميقة. وعانى اليسار العراقي من مشكلة إخفاق تحالفاته العديدة في مواجهة الفكر الظلامي المتطرف. ورأينا ما رأينا من التجارب المريرة في إقامة جبهة الاتحاد الوطني في 1957 بين قوى اليسار، ولكنها لم تكمل مسيرتها.
ومما زاد في انتشار الخرافات والشعوذة في المجتمع العراقي هو ضعف الدولة، إذ كان ساريا قانون التعليم الإلزامي ومحو الأميّة، حتى أن الأمم المتحدة اعترفت بأن العراق أصبح خاليًا من الأميّة قبل الغزو الأمريكي. وقد وجد نظام المحاصصة الطائفية فرصته الذهبية في تشريع الأميّة التي ساعدته على تركيز دعائمه، لأن معظم القادة الجدد لم يكونوا معروفين في أوساط المجتمع العراقي، حتى أن مجلس النوّاب أصبح عالة على المجتمع العراقي ولا يفكر إلا بامتيازاته الخاصة بدل قيامه بالدفاع عن مصالح المجتمع وتبديد الخرافات وترسيخ المنهج العلمي.
وبما أن أغلب قيادات الأحزاب والمليشيات تدين بالولاء إلى إيران فمن الطبيعي أن تقوم بنشر أفكارها وتستخدم منتوجاتها، مع إهمال كل ما هو عراقي. وزاد ذلك من ترهل الدولة وأصبحت في الآونة الأخيرة غير قادرة على دفع رواتب موظفيها الذين بلغوا نحو 6 ملايين موظف، في حين كان عدد الموظفين قبل الغزو الأمريكي للعراق لا يتجاوز الـ 800 ألف موظف.
أخفقت الدولة العراقية بسبب ضعفها وهيكلها المتصدع في أن تقوم بإصلاحات تتعلق بالأوضاع المأساوية التي يعيشها المجتمع العراقي مع ارتفاع نسبة الأميّة إلى درجات مخيفة. كما أن النخبة العراقية المثقفة لم تعد قادرة على مواجهة سلطة الأحزاب الإسلامية وما تروج له من خرافات. ولا سبيل إلى دحض ذلك سوى اتحاد قوى اليسار جميعها، وهي عريقة إلى جانب نخبها الثقافية، فهي قادرة على مواجهتها لأن جذور العلمانية قديمة ومتأصلة في المجتمع العراقي.
ساحة العمل الواقعية مفتوحة بمصراعيها لعمل اليسار ونخبه، خاصة وأن الأحزاب الدينية أثبتت فشلها الذريع طوال أكثر من عقد ونصف، فالفرصة مواتية لعملها الفاعل والمؤثر، إلا أن اليسار العراقي بحاجة إلى خطاب موحد، ولعله يستلهم ذلك من ثورة شباب تشرين، وعقلانيتها في رؤية مستقبل العراق.
كما يواجه اليسار العراقي مشكلة جوهرية أخرى وهي انحسار اليسار عالميًا، وضعف تواصله مع الجماهير مما يقوي اليمين وخرافاته. ولعل قوته تتركز في توحيد فصائله في مواجهة الفكر الطائفي الديني الذي انتشر في المجتمع العراقي. ولم يتبق الآن من قوى اليسار سوى حزب واحد.
مما لا شك فيه أن قوى الفساد والاستبداد من مصلحتها أن تعادي اليسار والمدنية والعلمانية وحقوق الجماهير، إذ قامت المليشيات الموالية لإيران باختطاف الناشطين من قوى يسارية ومدنية، وتهدد بقمع أي صوت أو توجه مضاد لها ولسلطتها. لذلك لا طريق أمامها سوى أن يتحقق تحالف مدني ديمقراطي واسع.
الفساد والطائفية يهددان أمن المجتمع العراقي ما يجعل الناس يعيشون في حالة خوف. وما يقوم بها مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي من كشف الفاسدين هو في الطريق الصحيح، ويخيف الطبقة السياسية الحالية.
مما لا شك فيه أن الطائفية هي السبب في استمرار حالة عدم الاستقرار في البلاد، والانقسام السُني- الشيعي الكردي يشكل تهديداً كبيراً لأمن المواطنين، إذ أن المعتقد الديني لا يمكن أن يكون محورًا يتحد حوله المجتمع العراقي لأن الهوية الوطنية هي القاسم المشترك بين جميع طوائفه بلا منازع وعلى الجميع التمسك بها.
وهذا ما يغيض إيران اللاعب الرئيسي على الساحة العراقية، لأن جوهر المشكلة يكمن في أنّ القادة السياسيين الشيعة مدعومون من إيران، وهم ينفذون أوامرها، واستطاعوا أن يحولوا العراق إلى سوقٍ مزدهرة لمنتجاتها التي تُقدر قيمة صادراتها بعشرات مليارات الدولارات. وهو ما أنقذها من سيف العقوبات الأمريكية وجعلت من العراق نافذة تتنفس من خلاله وتحوك منه مؤامراتها ضد العالم العربي وبلدان الخليج.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة