في العرف الدبلوماسي، ينتظر المراقبون الزيارة الأولى لرئيس الدولة كي يعرفوا توجهات سياسته الخارجية.
منذ اليوم الأول لتوليه مقاليد رئاسة الحكومة العراقية الجديدة، كان مصطفى الكاظمي واضحاً بأن برنامج حكومته في السياسة الخارجية سيركز على إقامة علاقات متوازنة مع جميع الدول بما فيها دول الجوار الجغرافي، وأن هدفه الأول في تلك العلاقات هي مصلحة العراق وشعبه.
من تابع تفاصيل الزيارة التي قام بها الأسبوع الماضي إلى العاصمة الإيرانية، طهران، كان بإمكانه التأكد من حقيقة ذلك النهج وإصرار الكاظمي على تنفيذه، عندما عاد وكرر أمام قيادات الصف الأول للنظام الإيراني بدءاً من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، الذي لم يقابل أي مسؤول خارجي منذ خمسة أشهر بسبب احتياطات كورونا، ومروراً بالرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي اجتمع بالكاظمي لمدة ساعتين كاملتين، وصولاً بمستشار الأمن القومي الإيراني علي شمخاني حيث أكد لهم الكاظمي: أن العراق لا يقبل أن يتدخل أحد في شؤونه الداخلية، وأن العلاقات بين الدول تبنى على أساس الاحترام المتبادل.
النتائج المبدئية للزيارة بعثت بشيء من الارتياح النسبي إلى الدول الشقيقة والصديقة للعراق لما حملته من دلالات ومؤشرات دبلوماسية عميقة المعنى في معادلة التوازن الاستراتيجي مع الجار الإيراني.
صراحة إعلان الكاظمي عن نهجه من قلب إيران وأمام الرأي العام العالمي فهو بجانب أنه جاء تأكيداً على جديته في تطبيق نهجه مع إيران الدولة التي عاثت في العراق فساداً ونشرت الفوضى والخراب، فإنه كان بمثابة رسالة سياسية قوية نسفت معها كل الاحتمالات والاجتهادات التي كان عادة يستبقون مراقبي الشأن العراقي أي لقاء بين مسؤول عراقي مع قادة إيران.
في العرف الدبلوماسي، ينتظر المراقبون الزيارة الأولى لرئيس الدولة كي يعرفوا توجهات سياسته الخارجية.
ومن خلال زيارة الكاظمي يمكن لنا القول بأنه استطاع تحقيق مكاسب سياسية مهمة للعراق وفي لحظة حاسمة من تاريخ العراق، حيث أسمع القيادة الإيرانية مواقفه الجديدة، ووضح لهم في الوقت نفسه أنه ليس خصماً لإيران ومصالح شعبه بل إن العلاقات التاريخية تفرض عليه التعاون والشراكة معها، وإنما هو "الكاظمي" يبحث عن حق لوطنه وشعبه.
النتائج المبدئية للزيارة بعثت بشيء من الارتياح النسبي إلى الدول الشقيقة والصديقة للعراق لما حملته من دلالات ومؤشرات دبلوماسية عميقة المعنى في معادلة التوازن الاستراتيجي مع الجار الإيراني، الذي لا يمكن أن تأمن شره بسهولة.
كما يبدو من القراءة الأولية لتلك النتائج أن القيادة الإيرانية أدركت التوجه العراقي الوطني الجديد.
وبالتالي يمكن القول إن الزيارة أحدثت نقلة سياسية نوعية توازت مع الدولة العراقية التي كانت في فترة ما قبل عام 2003، خاصة من ناحية مراسم الاستقبال التي حظي بها الكاظمي والاهتمام الرسمي لها فقلبت كل الاحتمالات التي سبقت الزيارة.
الشيء الذي يدعو إلى التفاؤل عربياً من نتائج هذه الزيارة أنها جاءت في وقت يعاني العراق اختطافاً لقراره السياسي منذ سبعة عشر عاماً من إيران؛ وهو اختطاف نجم عنه ابتعاد هذه الدولة المهمة عن محيطه العربي وتراجع دوره القومي والوطني وتحويل الأرض العراقية إلى ساحة للغطرسة الإيرانية على العراق والقوى الإقليمية والدولية حتى كاد البعض منا ينسى أن العراق دولة عربية.
أغلب الشعب العراقي يراهن على الكاظمي في حلحلة الكثير من التحديات التي يسببها التدخل الإيراني في قراراته.
وأغلب العرب خاصة الخليجيين يراهنون عليه من أجل تحقيق التوازن الاستراتيجي مع إيران وتركيا اللتين باتتا تتماديان على السيادة العربية والعراقية وتهددان استقراره وأمنه، وبالتالي فالزيارة تستحق الاهتمام من كل المستويات الإقليمية والدولية.
الزيارة كانت نسخة مغايرة عن زيارات رؤساء الحكومات العراقية السابقين الذين سمحوا لأن يكون قرار العراق في خدمة إيران، بل إنها "الزيارة" كانت بمثابة "لقطة" ذكرتنا بزمن الشموخ العراقي الذي نأمل أن يعود.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة