حكومة عادل عبدالمهدي، التي جاءت نتيجة تفاهمات ما وراء الكواليس، تواجه الكثير من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
حكومة عادل عبدالمهدي بين النجاح والفشل، أي نجاح وأي فشل؟ البرلمان العراقي حجب الثقة عن 7 حقائب وزارية رأى فيها تلاعباً بمصير هذا البلد، لأن عملية التزكية في الكواليس هي التي ستقرر مصير الوزراء المرفوضين، لم يصادق البرلمان العراقي إلا على 14 وزيراً، وهذا ما أدى إلى تأجيج الخلافات بين الكتل السياسية، مَنْ يصبح وزيراً ومَنْ لا يصبح؟ وما جملة المعايير التي تتحكم في هذا الترشيح والاختيار؟ نلاحظ أن الخلافات لم تظهر إلا في الوزارات السيادية: الدفاع والنفط والداخلية والمالية، أما بقية الوزارات فهي عبارة عن ديكورات لا أكثر ولا أقل، ما دفع رئيس الوزراء المُكلف إلى شغل بعض هذه الوزارات إلى أن تتوضح الصورة في الكواليس المظلمة، وأدى هذا الرفض إلى تداعيات كبيرة بين الكتل السياسية، الشيعية منها والسنّية، والأخيرة وجدت نفسها منقسمة، لأن كل جهة لديها مرشحها الخاص.
حكومة عادل عبدالمهدي، التي جاءت نتيجة تفاهمات ما وراء الكواليس، تواجه الكثير من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، على الرغم من أنها أقل مما كانت تواجهها حكومة العبادي، وما ورثه من حكومة نوري المالكي، منها اجتياح داعش مدنا عراقية عديدة، وأوضاع اقتصادية متأزمة وغيرها
ومما لا شك فيه أن الكتل الكبيرة تحلم بالاستيلاء على وزارتي المالية والنفط، لما لهما من تأثير سياسي ومالي كبيرين، ومما زاد في الطين بلة أن عادل عبدالمهدي لم يختر وزيراً من محافظة البصرة التي تصدر أكثر من 80% من نفط العراق، وهذا ما خلق شعوراً بالإحباط واليأس في هذه المحافظة الهامة التي تشكو من عدم توفر الماء والكهرباء، ولم تجد الحلول رغم عشرات الضحايا من القتلى في التظاهرات الاحتجاجية إلى الوقت الحاضر، إن اختيار الوزراء، كما يبدو، خضع لمزاجيات بعض الكتل السياسية من أجل إرضاء طموحاتها، بينما تتهمه بعض الكتل بأنه لا يتوفر على برنامج حكومي حقيقي.
مما لا شك فيه، أن حكومة عادل عبدالمهدي، التي جاءت نتيجة تفاهمات ما وراء الكواليس، تواجه الكثير من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، على الرغم من أنها أقل مما كانت تواجهها حكومة العبادي، وما ورثه من حكومة نوري المالكي، منها اجتياح داعش مدنا عراقية عديدة، وأوضاع اقتصادية متأزمة وغيرها، لكن التشكيلة الحكومية الجديدة ما هي إلا انعكاس للمكونات الطائفية والمذهبية والعرقية، وهذا ليس خياراً بل اضطراراً، ويبقى السؤال الجوهري: هل الحقيبة الوزارية الجديدة قادرة على مواجهة الأزمات التي يعاني منها الواقع العراقي؟
إن تسمية وزراء ينتمون إلى هذا الحزب أو ذاك التكتل لن يجدي نفعاً، وأثبتت التجربة منذ 2003 بأن ذلك لم يؤد إلى نتائج ملموسة في الواقع العراقي، لا ندري فيما لو كان طموح رئيس الوزراء كبيراً أم أن خطواته لم تكن سوى لعبة سياسية، فمن ترشح من خلال الإنترنت واختيار وزراء من التكنوقراط، ونقل مركز الحكم من المنطقة الخضراء إلى خارج أسوارها، والوعد بالإصلاح، هل هي شعارات لدغدغة مشاعر العراقيين وتخديرهم؟ يبدو أن عادل عبدالمهدي لم يتعلم شيئاً من الدرس الفرنسي، أي فصل السياسة عن الدين أو العلمانية، لذا رأيناه غارقاً في النظام الثيوقراطي-الديني، الذي لا يستطيع أن يكون خارجه، ولا يختلف في ذلك عن الحكومات المتعاقبة الفاشلة.
وجاء توزيع الحقائب الوزارية لتدلل على ذلك، فاحتوت القائمة على 9 وزراء لتحالف البناء الذي يضم تحالف الفتح بزعامة هادي العامري وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وجناح فالح الفياض في تحالف النصر، وطيفاً واسعاً من القوى السنّية، بينها تحالف القرار بزعامة خميس الخنجر واتحاد القوى بزعامة جمال الكربولي، و9 وزراء لتحالف الإصلاح الذي يضم تحالف سائرون ويرعاه الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر، وجناح حيدر العبادي في ائتلاف النصر وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وبعض الشخصيات السياسية السنيّة، بينها زعيم ائتلاف متحدون أسامة النجيفي، و3 وزراء للأحزاب الكردية بعد الأزمة التي فجرها انتخاب برهم صالح رئيساً للجمهورية، خلافا لإرادة مسعود البارزاني الذي رشح فؤاد حسين.
لم تكن الحقيبة الوزارية الجديدة بعيدة عن التأثيرات الإيرانية، وعادل عبدالمهدي لا يخفي علاقته مع إيران، فقد حارب في صفوفها ضد الجيش العراقي أبان سنوات الحرب العراقية الإيرانية، ولا تزال شبكات التواصل الاجتماعي تنشر فيديوهات يظهر فيها عادل عبدالمهدي برفقة عرض عسكري إيراني في قاعدة "دزفول" في الأحواز.
على أية حال، حرصت إيران على الضغط باتجاه ترشيح موالين لها في العديد من الحقائب الوزارية، حيث لم يتمكن من اختيار شخصيات مستقلة عن الأحزاب الموالية لطهران بعد أن مارست ضغطا هائلا على رئيس الوزراء العراقي، بل سعت إلى السيطرة على عدد من الحقائب الوزارية الهامة وعلى رأسها وزارات المالية والخارجية والتخطيط والنفط، إذ يسعى النظام الإيراني إلى مواجهة العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على طهران من خلال الوزراء العراقيين الموالين لها، ونجحت في فرض قائد مليشيا الحشد الشعبي فالح الفياض وزيرا للداخلية، وحاز محمد الحكيم حقيبة الخارجية، وكانت وزارة الثقافة من نصيب عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، بينما ذهبت وزارة المالية لفؤاد حسين مرشح الحزب الوطني الكردستاني، والنفط لثامر الغضبان، كما ضرب ترشيح زعيم الحزب الإسلامي إياد السامرائي لحقيبة التخطيط نظرية الاعتماد على وجوه جديدة في تشكيل الحكومة التي تبنتها الكتل السياسية.
كل المؤشرات تؤكد أن حكومة عبدالمهدي ما هي إلا رقم يُضاف إلى سلسلة الحكومات الفاشلة التي لم تُخرج العراق من أزمات مرحلة ما بعد الاحتلال، ولا يرى العراقيون سوى تغيير وجوه ليس إلا.
لكن في الوقت نفسه، يجب النظر إلى الجوانب الإيجابية في العملية السياسية، ولعل التغيير الحاصل في العهد الجديد هو إزاحة حزب الدعوة عن الحكم بعد هيمنته على جميع مفاصل الدولة طوال السنوات الماضية، وهذا مؤشر قوي لا يجب نكرانه، وهناك مؤشر إيجابي آخر، وهو أن زعيم التيار الصدري اتخذ خطوة إيجابية بمنع ترشيح أي وزير من جهته، رغم فوز كتلته في الانتخابات لإفساح الطريق أمام الإصلاح والتغيير، أملاً بترشيح وزراء من التكنوقراط، لكن رئيس الوزراء الجديد خيب آمال الجميع بقائمته، ورفض 7 وزراء ليس من أجل تطبيق المعايير بل طمع في هذه الوزارات من قبل كتائب وأحزاب أخرى لا أكثر ولا أقل.
وحاول عادل عبدالمهدي أن يبتعد في ترشيحاته عن النواب الحاليين والشخصيات الحزبية إلا أن هؤلاء جاؤوا بأقربائهم ووضعوهم في المناصب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة