انتخاب محمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان العراقي يمثل مفاجأة للشعب العراقي حيث لا تتوفر فيه حتى شروط الدستور العراقي ومنها العمر
كان انتخاب محمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان العراقي يمثل مفاجأة للشعب العراقي، حيث لا تتوفر فيه حتى شروط الدستور العراقي ومنها العمر، حيث إن الدستور ينص على بلوغه الأربعين وهذا لم يحصل للحلبوسي، ولكن تم ترشيحه بقوة من قبل نوري المالكي وهادي العامري وأتباع إيران، حيث تم شراء المنصب بملايين الدولارات كما كشف بعض النواب وصوروا ذلك بهواتفهم وتفاعلوا معه كثيرا في مواقع التواصل الاجتماعي مما جعله موضع تندر للشعب العراقي.
السؤال الملح الذي يُطرح اليوم هو مدى قدرة عبد المهدي في المجيء بحكومة كفوءة وطنية بعيدة عن إيران، يكون هدفها معالجة المشاكل الكثيرة والتحديات الكبيرة فضلا عن الموازنة بين إيران وأمريكا وصراعهما على الساحة العراقية.
وأما فوز برهم صالح برئاسة الجمهورية فقد كان متوقعا، حيث إن رئاسة الجمهورية كانت من نصيب الاتحاد الكردستاني منذ رئيسه جلال طالباني ثم فؤاد معصوم.
ورغم أن برهم صالح قد خرج من الاتحاد وأسس حزبا جديدا لكنه رجع إليه اليوم ليحظى برئاسة الجمهورية. وقد امتعض شديدا الحزب الديمقراطي الكردستاني معترضا على آلية انتخابه وتمرد الكتل التى اتفقت مع الحزب على مرشحها واتهامه برهم بـ"الرجوع للاتحاد من أجل المنصب فقط" كما صرح مسعود البرزاني.
وكان على الحزبين الكرديين أن يتفقا على مرشح واحد كما طالبتهم الكثير من الكتل لاسيما كتلة سائرون. علما أن الحزب الديمقراطي فاز بأصواته الـ 25 على الاتحاد 19 بفارق ملحوظ. ولكن برهم هو المفضل عند الغالبية مقابل مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، لأن الأخير بزعامة مسعود البرزاني قاد استفتاء استقلال كردستان، وهو خلاف الدستور العراقي ورئيسه، خصوصا قسم رئيس العراق بالحفاظ على وحدة العراق. علما أن برهم صالح كردي سني وشخصية قوية يقابلها فؤاد حسين كردي شيعي شخصية ضعيفة تابعة لمرشحه "مسعود البرزاني" فهو مدير مكتبه.
البعض يتصور أن منصب الرئيس منصب شرفي فقط، ولكن الحقيقة أنه هو حام للدستور والدولة ويشترك مع رئيس الوزراء في العديد من المناصب المهمة الرئيسة في الدستور التي للأسف لم يهتم بها الرؤساء السابقون ولم يستفيدوا منها، بل ربما لم يفهموا الدستور.
وقد توقعنا من قبل كما في مقالنا الأخير (حزب الدعوة والتبعية لإيران) بسقوط حزب الدعوة عن رئاسة الوزراء بعد ثلاثة عشر عاما عجاف دمرت العراق كأسوأ سنوات عانى منها العراق في كل تاريخه من الفساد والظلم والمليشيات والقتل والتبعية لإيران. لاشك بتبعية حزب الدعوة في تأسيسه وقياداته وفقهائه وأفكاره وممارساته إلى نظام ولاية الفقيه الإيراني كما شرحناه في تاريخ حزب الدعوة من كتابنا: "إيران من الداخل".
كما توقعنا بوصول عادل عبد المهدي ذي الـ 76 سنة إلى رئاسة الوزراء بعد أن مارس وزيرا للنفط تارة وللمالية تارة أخرى ونائبا عن الرئاسة تارة ثالثة.
تم تكليف عبد المهدي من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح بناء على التسوية ومن ورائها طهران وواشنطن. التسوية التي جعلت جميع الكتل والتيارات توافق عليه. رغم تقلبه من اليسارية إلى البعثية إلى القومية إلى الإسلام السياسي ثم خروجه كمستقل وهو يحمل إرثا تاريخا من السياسة والدين أيام الحكم الملكي الجميل، (أفضل حكم هو الملكي في تاريخ العراق) وقد درس في كلية بغداد حتى عاش بين العراق وإيران، حيث أعجب بها واشترك في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي صنعته إيران، وفرنسا التي لجأ إليها وتزوج من سورية فيها لينجب أبناءه الأربعة ثم يرجع للعراق مشاركا في كتابة الدستور سيئ الصيت والحكومات الفاسدة المتتابعة بعد 2003.
وقد وضع الكثير من الشعب آماله الكبيرة على الحكومة الجديدة بسبب المحن والمآسي الكبيرة لمعاناته. فهنالك تحديات كثيرة وكبيرة يواجهها عبد المهدي.
منها القدرة على تشكيل الحكومة في الفترة الزمنية المقررة دستوريا. لقد تخلى زعيم الكتلة الفائزة الأكبر مقتدى الصدر عن وزرائه وحصته من الحكومة على أمل أن يأتي بكفاءات وتكنوقراط، لكن يبقى السؤال هل تتخلى الكتل الباقية المتصارعة ضمن المحاصصة الطائفية البغيضة عن حصتها من الوزراء والمناصب والامتيازات؟ وهل يمكن لعبد المهدي الذي جاء عن طريق التسوية أن يتخلى عن ترضية من جاء به إلى السلطة؟ ومدى قدرته على المجيء بوزراء تكنوقراط أكفاء أقوياء يخدمون الشعب؟
ومنها محاربة الفساد وحيتانه الفاسدين الذين سرقوا أكثر من تريليون دولار منذ 2003 وإرجاع أموال الشعب العراقي ومحاسبة الفاسدين الكبار الذين هربوا المليارات إلى الخارج، ومعاقبتهم.
ومنها تقديم الخدمات للشعب العراقي من الكهرباء والماء والصحة والتعليم، وما طالبت به المظاهرات التى عمت محافظات الجنوب لاسيما البصرة التي وصل التلوث إلى مرض أكثر من مائة ألف. وكون عبد المهدي متخصص في الاقتصاد يعطي تفاؤلا إلى حد ما في المشكلات الاقتصادية. من هنا تم إمهال عبد المهدي من قبل مقتدى الصدر سنة كاملة ليرى خطوات عملية جريئة فى الطريق الصحيح.
إيران تريد مقارعة أمريكا في الساحات التابعة لها لاسيما العراق الذي يمثل عمقا استراتيجيا لها، حتى قال مرشدهم إنه "مستعد للتخلي عن مدن إيرانية عديدة، لكن عليه المحافظة على العراق لبقاء النظام".
تحاول إيران الاحتيال على العقوبات من خلال العراق، حيث لها النفوذ الكبير عند الشيعة والسنة والأكراد، حتى الحكومة الحالية رغم أن الأمريكان اليوم لهم الجزء الآخر من التأثير على العراق وحتى الرئاسات الثلاث التى تتمتع بعلاقات معها ثم باركت لها.
والسؤال الملح الذي يطرح اليوم هو مدى قدرة عبد المهدي في المجئ بحكومة كفوءة وطنية بعيدة عن إيران، يكون هدفها معالجة المشاكل الكثيرة والتحديات الكبيرة فضلا عن الموازنة بين إيران وأمريكا وصراعهما على الساحة العراقية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة