الحرب لا تحمل إلا الخراب و الدمار، ولا بد للحرب أن تنتهي، بعد ذلك سيواجه البلد الذي تعرض للحرب ومعه المجتمع الدولي تحديات كبيرة
الحرب لا تحمل إلا الخراب و الدمار، ولا بد للحرب أن تنتهي، بعد ذلك سيواجه البلد الذي تعرض للحرب ومعه المجتمع الدولي تحديات كبيرة؛ أهمها إعادة الإعمار وإعادة تأهيل البلاد بمؤسساتها واقتصادها وبناها التحتية، وما تعرضت له سوريا من شراسة الحرب، وشدة ضراوتها لا يخفى على أحد، لا مبالغة بوصف الحالة بالمروعة والمرعبة عقب الدمار الذي لحق بالمدن والأبنية، والمشهد يزداد مأساوية إذا ما ذكرت أعداد من سقطوا قتلى نتيجة هذه الحرب المستمرة منذ سبع سنوات.
في الواقع ما عادت الحرب في سوريا بين حكومة تقول إنها تتعرض لمؤامرة كونية وتحارب الإرهاب، ومعارضة تبحث عن حقوق لم تنل أبسطها في ظل حكم الأسدين الأب والأبن وفق تصريحاتها، بل تحولت البلاد إلى ساحة معركة عالمية؛ إذ لم تبق قوة عسكرية إلا ودلت بدلوها في هذه الحرب بدءا من الأفراد والجماعات والتنظيمات، وانتهاء بالدول الكبرى متذرعة بحرب الإرهاب، فمُسحت مدن كبرى على يد هذه الدول كان آخرها دمار مدينة الرقة على يد التحالف الدولي في حربه ضد داعش، ودمار عفرين على يد الأتراك بذريعة محاربة قوات قسد وحزب العمال الكردستاني بوصفه مصنفاً على اللائحة التركية للإرهاب، ولايخفى حجم الدمار الذي لحق بحلب وإدلب وحمص نتيجة القصف الجوي الروسي والسوري.
ما عادت الحرب في سوريا بين حكومة تقول إنها تتعرض لمؤامرة كونية وتحارب الإرهاب، ومعارضة تبحث عن حقوق لم تنل أبسطها في ظل حكم الأسدين الأب والأبن وفق تصريحاتها، بل تحولت البلاد إلى ساحة معركة عالمية؛ إذ لم تبق قوة عسكرية إلا ودلت بدلوها في هذه الحرب
وبعد انتهاء الدول من تقاسم الحصة التدميرية المنوطة بها، بدأت بطرح وتفصيل الحلول للأزمة على مقاس مصالحها، وبدأت تعلو أصوات المناداة بإعادة الإعمار ليتم تقاسم الكعكة الاستثمارية فيما بينها، وكان أولها ما صرحت به فرنسا عن شروط ومقاييس البدءِ بإعادة الإعمار ومنها وجود حكم يرضي طرفي الأزمة وهذا لن يتم بسهولة.
تمتلك سوريا من مقومات الإعمار الكثير، ولكنها مقومات دمرت بمجملها بدءا بالثروات الباطنية والمقومات الاقتصادية وانتهاء بالموارد البشرية التي تبعثرت بين قتيل ومشرد ومهجر ولاجئ، وطول أمد الحرب كان العامل الأساس في تفاقم الوضع سوءا، وفقدان الموارد أكثر فأكثر، ولم يتحرك المجتمع الدولي ولا المنظمات الدولية بالبدء بإعادة الإعمار، فلم يمتلك السوريون من أمرهم إلا أن يبدؤوا بأنفسهم المهمة على الرغم من سوء الأوضاع، وهناك أنموذجات شاخصة للعيان لا تخفى على أحد.
ففي حلب مثلاً، المدينة الصناعية والتجارية الأولى في سوريا، وصفت بـ "غروزني" لشدة الدمار الذي لحق بها، ولنهب معاملها, وما سلم من النهب لم يسلم من الدمار, في ظل واقع اقتصادي مزر من بقي من أبنائها لم يسلم إلا على روحه فاقدا كل شيء, وعلى الرغم من ذلك لم تمض إلا أشهر قليلة حتى بدأت بعض معاملها تدور, وبعض أسواقها تنشط بجهد السوريين أنفسهم, وبدأ المواطنون بإزاحة ما أمكنهم - ضمن إمكاناتهم المتواضعة – من آثار الدمار، وإعادة تأهيل بعض المنشآت والمنازل، وفي مدينة الرقة التي مسحت عن وجه الأرض بشكل تقريبي، وعلى الرغم من قلة العائدين إليها بدأت بعض دفقات الحياة تدخلها بجهد المواطنين بإجراء عمليات ترحيل ما أمكن من الأنقاض، وفتح الشوارع، والأسواق، بما يُلبي حاجاتهم دون أي دعم دولي أو حكومي . والنماذج في ذلك كثيرة, إذ لم يبق حي من أحياء المدن التي تعرضت للحرب والدمار إلا وعملت اليد السورية على إعادة تأهيله.
على مايبدو وصل السوريون، موالاة ومعارضة، بأن إعادة الإعمار ستكون على عاتقهم هم بالحد الأقصى إذ إن ملامح الحل السياسي المنتظر والذي ترجح بعض الصحف الأمريكية صاحبة الاطلاع على الكواليس باستمرارية الرئيس السوري بشار الأسد بالحكم مما يعني أن الكثير من الدول لن تشارك بإعادة الإعمار، لأن الحل السياسي لن يكون وفق وجهة نظرها.
لذلك علت دعوات من الداخل السوري بدعوة أبناء سورية المهاجرين بالعودة إلى بلادهم للمساهمة في إعمارها سواء بالدعم المادي أم بالدعم البشري أو الفكري، فجلّ هؤلاء من شريحة الشباب المثقف الفتي وأرباب الشهادات الجامعية والشهادات العليا فبلدهم أولى بهم، وهم أولى به.
نستطيع القول إنه لا قناعة لدى السوريين بأن يساهم في إعمار بلادهم من شارك في دمارها من حلفاء المعارضة، لا الولايات المتحدة ولا الدول الأوروبية، ولاحتى تركيا وكذلك حلفاء النظام، روسيا وإيران، فمن دمر لا يعمر، ولا مناص من الاعتماد على الذات لاستمرار الحياة، مستغلين النماذج التي استطاع السوريون بناءها لتشجيع نظرائهم وأخوتهم لتلبية النداء والعودة للنهوض ببلدهم ريثما يتم الاستقرار في البلاد ،ويصبح الوضع ملائما للاستثمار وتنفيذ المشاريع الجدية في الإعمار .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة