الغرض من إبقاء الذكرى مشتعلة، ليس تغذية الحقد، بل قراءة الذي جرى بدقة وأناة، لأن التاريخ كما نعلم هو كتاب مفتوح دوما.
نحن أمام الذكرى الـ28 للغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس (آب) 1990، وهي بلا ريب ذكرى طريّة الجرح في الوجدان الكويتي بل السعودي بل الخليجي بل العربي.
برهان حياة هذا الجرح نازّاً بالألم، الجدل الصاخب الذي تسبب به تعليق السفير العراقي في الكويت، الذي دعا فيه الحكومة الكويتية لاعتماد مسمى «الغزو الصدَّامي»، نسبة إلى صدَّام حسين، بديلاً عن «الغزو العراقي» في المناهج الدراسية في البلاد.
هذا التعليق يراد منه حصر واقعة –هي من وقائع الدهور- احتلال الكويت من قبل الجيش العراقي الذي يقوده صدام حسين، بشخص وربما عائلة أو عشيرة أو حتى حزب البعثي العتيد صدام حسين المجيد.
اليقظة اليوم يجب أن تكون أضعاف الماضي، لأن الثقافة التي تحكم بعض الأحزاب والمليشيات والقوى «المؤثرة» اليوم بالعراق، لديها من الرثاثة الفكرية والمراهقة السياسية والخرافات السليمانية (نسبة لقاسم سليماني) الأيديولوجية ما يزيد على خرافات صدام حسين وتنظيراته عن العروبة!
حتى إن المتحدث باسم الحكومة العراقية، الحالية، سعد الحديثي قال، حسب وكالة الأنباء الكويتية (كونا) في سياق تقرير استذكاري جمع بين حفظ الذكرى والرغبة في العمل مع عراق اليوم، قال: «الوضع الطبيعي للبلدين هو ما قبل عام 1990 قبل أن يلوّثه غزو النظام السابق للكويت».
لكن التاريخ الحديث يخبرنا أن النظام السابق، النظام المقبور، حسب أدبيات الإعلام العراقي الحالي، نظام صدام حسين، ليس هو الأول في مداعبة حلم العراق الكبير، باستعادة الفرع للأصل، من أيام الملك غازي إلى أيام «الرفيق» عبدالكريم قاسم، لكن إصرار الكويت وأهلها، واحتضان السعودية أولاً، والدرع الدولي، صان الكويت من هذه النزوات السياسية، ويفترض به أن يستمر على ذلك عند استيقاظ هذا النزوات مرة أخرى.
بل إن اليقظة اليوم يجب أن تكون أضعاف الماضي، لأن الثقافة التي تحكم بعض الأحزاب والمليشيات والقوى «المؤثرة» اليوم بالعراق، لديها من الرثاثة الفكرية والمراهقة السياسية والخرافات السليمانية (نسبة لقاسم سليماني) الأيديولوجية ما يزيد على خرافات صدام حسين وتنظيراته عن العروبة!
الغرض من إبقاء الذكرى مشتعلة، ليس تغذية الحقد، بل قراءة الذي جرى بدقة وأناة، لأن التاريخ كما نعلم هو كتاب مفتوح دوماً قابل للمزيد من الكشف والفتح، وغرض هذه القراءة هو الاعتبار، كما هو عنوان (المواعظ والاعتبار) للمؤرخ المصري العظيم المقريزي (ت 1442م) صاحب الخطط.
طمس التاريخ يعني تكرار الخطأ، ويعني تضليل الأجيال اللاحقة، عن تحديد المصالح الحقيقية للشعوب عند لحظات الخطر الماحق.
غزو الكويت من قبل سلطات العراق 1990 أمر يجب على الكويت والسعودية بوجه خاص، تقليب النظر وإثراء الفكر حوله، ليس من أجل إشباع جمر الغضب، بل من أجل إرواء ماء العقل.
التذكر الرشيد، يحوّل الجرح القديم، لشاهد تاريخي حي.
كل ما سلف هو حديث عن حكام العراق وليس عن أهله وشعبه.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة