عندما يتخلص الإنسان العربي من نزعاته المذهبية أو القبلية، يصبح من الممكن عندها التفكير في الحل الديمقراطي.
الديمقراطية ليست دائماً الحل الأمثل في كل مكان للعلاقة بين السلطة والشعوب، ما لم تتوفر في المجتمعات أهم مقوماتها، وهي (الفردانية)، والبعد عن التكتلات المذهبية أو القبلية. فالطائفي وكذلك القبلي سينطلق في اختياره لمرشحه ليس لأنه الأفضل والأقدر على قيادة البلاد سياسياً واقتصادياً، ليمنحه صوته في صندوق الانتخابات، وإنما سينتخب من يمثل (الجماعة)، سواء كانت دوافع هذه الجماعة أسباباً مذهبية دينية موروثة أو لأسباب انتماء عرقي أو قبلي. وأنا مقتنع قناعة تامة بأن المجتمعات التي تؤمن بالانتماء القبلي أو المذهبي كهوية أولوية قبل قدرات (الفرد) ستنتهي غالباً إلى اضطرابات مجتمعية، تنتزع فيها الأكثرية سواء كانت مذهبية أو قبلية حقوق الأقلية المختلفة عنها قبلياً أو مذهبياً، وقد تتطور إلى حروب أهلية لا يعرف مداها إلا الله. لذلك فأنا ممن يؤمنون إيماناً كاملا بأن (التنمية البشرية)، وتخليص الفرد من انتماءاته المذهبية أو العشائرية الموروثة بمثابة شرط الضرورة الذي لا يمكن أن تتحقق الديمقراطية بالضرورة إلا به.
الثورات العربية التي سماها الرئيس الأمريكي السابق أوباما بالربيع العربي، وأوكل للقطريين مسؤولية تأجيجها ودعمها مالياً وإعلامياً، تحولت إلى برك من دماء ومجازر وكوارث بشرية ومادية، وما زالت الدماء التي حرضت قطر على إراقتها لم تتوقف إلى الآن. حتى قطر نفسها، رغم أنها دويلة صغيرة ومجهرية، ومحدودة السكان والجغرافيا، لو أقام فيها حمد بن خليفة راعياً ما يسمى الربيع العربي ديمقراطية مثل ما تطالب وسائل إعلامه به، واحتكم أهل قطر إلى صناديق الانتخاب، للعب البعد القبلي دوراً محورياً في تمكين القبيلة من السلطة، ليس لبواعث تتعلق بالمرشحين أنفسهم، وإنما لأسباب تعود إلى (قبلية) المرشح قبل صلاحيته وجاهزيته، لا سيما أن قطر هي أكثر دولة خليجية تُشكل القبيلة أغلب انتماءات شعبها الصغير.
لماذا نجح الخليجيون بلا ديمقراطية، في حين فشلت الدول التي استوردت الديمقراطية من الغرب إذا كانت الأمور تقاس بنتائجها؟ لذلك يجب أن نقتنع بحقيقة تقول: التنمية البشرية وتعليم الفرد وترسيخ الفردانية أولاً، وعندما يتخلص الإنسان العربي من نزعاته المذهبية أو القبلية، يصبح من الممكن عندها التفكير في الحل الديمقراطي
كذلك ليبيا مثال آخر، فالحرب التي اشتعلت فيها بعد سقوط الرئيس القذافي، تدور رحاها الآن بين أيديولوجيات دينية متعددة المشارب، وكذلك عشائر ليبية، وهؤلاء يسعون بقوة السلاح إلى الاستئثار بالسلطة إما لأسباب دينية، كجماعة الإخوان مثلاً، وإما لبواعث قبلية.. ولا أعتقد أن ليبيا ستصبح ديمقراطية حتى ولو استمرت الحرب الدائرة هناك مائة سنة، ما لم يفرض أحد المتخاصمين نفسه بقوة السلاح ويقصي الآخر.
الغربيون، ومعهم بعض المثقفين العرب، ما زالوا يعتقدون أن الحل الديمقراطي هو الأمثل في البلدان العربية، ويتجاوزون مدى قدرة الإنسان العربي الذي يجعل الانتماء المذهبي أو الانتماء القبلي فوق الانتماء الوطني، رغم أن (جميع) التجارب الديمقراطية التي جربت الحلول الديمقراطية قد باءت بالفشل الذريع، كما أنها أكثر الدول فساداً، كما تؤكد ذلك (منظمة الشفافية العالمية)، فالعراق مثلاً، وهي دولة بترولية، وفيها كل الأسباب والموارد التي لا تتوفر لغيرها إضافة إلى الإرث التاريخي العريق، ها هي تئن من الفساد وانعدام الأمن وكل أمراض العصر.. وفي المقابل فإن الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة والإمارات لم تدّعِ قط أنها ديمقراطية، ومع ذلك فشعوبها متصالحون مع قادتهم، وتنعم بكل أسباب الأمن والاستقرار والرفاهية النسبية، خاصة إذا ما قارناها بالعراق المماثلة لها في الموارد الاقتصادية، فلماذا نجح الخليجيون بلا ديمقراطية، في حين فشلت الدول التي استوردت الديمقراطية من الغرب إذا كانت الأمور تقاس بنتائجها؟
لذلك يجب أن نقتنع بحقيقة تقول: التنمية البشرية وتعليم الفرد وترسيخ الفردانية أولاً، وعندما يتخلص الإنسان العربي من نزعاته المذهبية أو القبلية، يصبح من الممكن عندها التفكير في الحل الديمقراطي، كأسلوب يُنظم العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكومين.
نقلا عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة