أسواق الإمارات التي تمتاز بدينامكيتها الدائبة وجذبها لرؤوس الأموال جعلت بكين تقترب نحوها أكثر فأكثر
قرار الرئيس الصيني شي جين بينغ أن تكون الإمارات أول دولة يزورها بعد إعادة انتخابه يحمل أكثر من مدلول، فالعلاقات الإماراتية الصينية شهدت في العقد الأخير تحديدا نقلة نوعية في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية .
استقبال الإمارات للرئيس الصيني يندرج في إطار استراتيجية تنويع وتوسيع الخيارات والاتجاهات على الساحتين الإقليمية والدولية، وترسيخ العلاقات مع اللاعبين الكبار والقوى المؤثرة في رسم السياسات وبناء المعادلات.
فالصين تأتي اليوم في مقدمة الدول الكبرى التي تهتم الإمارات بإقامة شراكة استراتيجية معها؛ كونها قوة أساسية في رسم خارطة النظام العالمي وتفاعلاته أولا ولأنها أبدت أكثر من مرة استعدادها للتعاون مع الدول الخليجية على أساس المصالح والقيم المشتركة بشكل متوازن ومرن ومستقر ثانيا .
أجمل التوصيفات التي قرأناها حول الزيارة والعلاقات تقول إن الانفتاح الصيني الإماراتي سيجلب اقتصاداً استراتيجياً للطرفين، فتكون الإمارات بوابة الشرق التي يدخل منها الصينيون، وتكون الصين بوابة الاقتصاد الصناعي ليدخله الإماراتيون، عندها يمكننا الحديث عن طريق حرير جديد، تكون بدايته بكين ومنتهاه بلاد زايد الخير .
ما الذي يدفع بالرئيس الصيني ليختار دولة الإمارات العربية المتحدة لتكون أول بلد يزوره بعد إعادة انتخابه رئيسا للصين؟، وما الذي يدفع الإمارات لتستقبل الرئيس الصيني على هذا النحو من التحضيرات والاستعدادات؛ لزيارة يجمع الكثيرون على أنها تاريخية البعد بسبب حجم الملفات وجدول الأعمال متعدد الجوانب الذي يتضمن توقيع المزيد من اتفاقيات التعاون والتنسيق الاستراتيجي بين البلدين؟.
الزيارة التي ينوي الرئيس الصيني شي بينغ، القيام بها إلى العاصمة الإماراتية، أبوظبي، تأتي وسط ظروف استثنائية تعيشها المنطقة، لكنها تعكس حقيقة وجود الرغبة الصينية الواضحة في إطلاق مرحلة جديدة من العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. فالإمارات والصين تمتلكان فرصا وعوامل داخلية وخارجية مشتركة كثيرة قادرة على تقريبهما أكثر من بعضهما البعض، والتأسيس لمنظومة علاقات سياسية و اقتصادية وثقافية واسعة .
القيادة الصينية تتابع دون شك أرقام النمو ومشاريع الاستثمار العملاقة في الإمارات وفي السنوات الأخيرة تحديدا، لكن الذي يدفع بكين للانفتاح أكثر فأكثر على الإمارات هو المؤشرات التي تعرفها جيدا حول أن أرقام النمو والازدهار في الدولة الخليجية المحورية ستواصل ارتفاعها في الأعوام المقبلة، وأنها لا يمكن لها سوى أن تعمل على أخذ مكانها في ساحة خليجية دائمة الحراك السياسي والتجاري والثقافي الإيجابي المثمر، إلى جانب خصوصية الاستقرار والأداء المميز في التعامل مع الملفات الإقليمية والدولية، إضافة إلى توفر فرص استثمار واسعة في الكثير من القطاعات.
قواسم مشتركة كثيرة جمعت البلدين في العامين الأخيرين حول تحديد المواقف حيال العديد من الملفات الإقليمية وطريقة التعامل معها، وضرورة كسب الصين إلى جانب دول الخليج والعالم العربي خلال التعاطي مع قضايا إقليمية هامة تتقدمها القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي والحرب على الإرهاب والتطرف، والعمل على احتواء العديد من حالات التوتر والأزمات والتنسيق في برامج وخطط المساعدات الإنسانية، وبرامج الإغاثة وخطط التمويل المشترك لدعم العديد من الدول النامية.
دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في هذا المجال، إلى التعاون مع الأصدقاء والعمل على وضع إطار تعاون يخدم المصالح المتبادلة، ويؤسس لمرحلة مقبلة تأخذ في الاعتبار التهديدات والتحديات الجديدة قد تكون الحافز الأول الذي يدفع الإمارات للانفتاح أكثر فأكثر على الصين اليوم. لكن بكين أيضا تراقب عن قرب التحولات المتلاحقة في الخطط والبرامج الإنمائية للإمارات والسياسة الخارجية الإماراتية التي تقوم اليوم وبإجماع أكاديمي وسياسي وإعلامي على الفعالية والجرأة في التعامل مع ملفات إقليمية ودولية.
إلى جانب كل ذلك لا يمكن إغفال حقيقة أخرى، وهي أن الزيارة تأتي وسط احتضان الإمارات لأكثر من 200 ألف مواطن صيني، واستقبال 4 آلاف شركة تجارية، وحجم تبادل تجاري يصل إلى 50 مليار دولار، جعل من الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري للصين في العالم، ومطلب استراتيجي برفع مستوى التبادل التجاري إلى 80 مليار دولار خلال العامين المقبلين، فلا غرابة إذاً في أن يقرر الرئيس الصيني بداية جولته الإقليمية الهامة انطلاقاً من الإمارات .
أسواق الإمارات، التي تمتاز بدينامكيتها الدائبة وجذبها لرؤوس الأموال جعلت من بكين تقترب نحوها أكثر فأكثر لتصبح الشراكة من أهم وأكبر عملية تنسيق وتعاون تجاري نموذجي في منطقة الشرق الأوسط. لكن الإمارات والصين يصرّان على أن هناك إمكانات هائلة كامنة يمكن استغلالها وتطويرها وتوسيع آفاقها لخدمة المصالح المشتركة للدولتين، وربما هذا هو دافع آخر يحرك الرئيس الصيني نحو الإمارات لاستكمال خطة تعاون بدأت قبل أكثر من 3 عقود .
المؤكد أيضا هو أن مبادرة الرئيس الصيني التي طرحها عام 2013 تحت عنوان "الحزام والطريق" تشكل اليوم فرصة تاريخية لتعزيز التعاون بين البلدين، الدبلوماسي الإماراتي عمر البيطار، يقول إن إحياء الصين لطريق الحرير يعزز ثقافة السلام والتعاون بين الأمم.
كثر هم من لا يعرفون خصوصية أخرى للتعاون الإمارتي الصيني الاقتصادي، وهي أن 70 في المئة من الصادرات الصينية إلى الإمارات يعاد تصديرها إلى دول مجلس التعاون الخليجي وأفريقيا وشرق آسيا.
بكين لا تعتبر الإمارات أهم شريك تجاري لها في منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل أيضاً مدخلاً لتجارتها واستثماراتها في المنطقة. دبي تحولت إلى محطة عبور استراتيجي للصين من أجل الوصول إلى أفريقيا ودول الشرق الأوسط، وهو ما يقلق ويزعج البعض ربما.
الإمارات تتحرك من منطلق ضرورة معرفة قواعد اللعبة وزمانها ومكانها قبل الإقدام على الخطوة الأولى، والصين تقول، وهي تقترب أكثر فأكثر من منطقة الخليج، إنها تتبنى في سياستها مقولة إذا كنت لا تستطيع الابتسام فلا تفتح دكانا.
لكن أجمل التوصيفات التي قرأناها حول الزيارة والعلاقات تقول إن الانفتاح الصيني الإماراتي سيجلب اقتصاداً استراتيجياً للطرفين، فتكون الإمارات بوابة الشرق التي يدخل منها الصينيون، وتكون الصين بوابة الاقتصاد الصناعي ليدخله الإماراتيون، عندها يمكننا الحديث عن طريق حرير جديد، تكون بدايته بكين ومنتهاه بلاد زايد الخير .
يقول المثل الصيني إذا أردت عاما من الرخاء، ازرع حبوبا. إذا أردت عشر سنوات من الثراء ازرع أشجارا وإذا أردت مئات السنوات من الرخاء والثراء، ازرع المحبة بين البشر .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة