تم اكتشاف شجرة القهوة عن طريق الصُّدفة عندما تناولت ماعز لأحد الرُّعاة في إثيوبيا ثمرة الشجرة وأبدت نشاطاً غريباً ومفاجئاً.
هكذا اكتُشفت، إلا أنَّهُ لم يتم تحضيرها بالطريقة المعروفة في يومنا هذا سوى عندما قام أحد الأئمة الصوفيين في المُخا بغلي حبوب القهوة في الماء وشُربها بعد ذلك.
عُرفت القهوة بطريقة تحضيرها الحالية في اليمن، فَهِيَ لَم تُزرع عمداً في أي مكانٍ غير اليمن لأكثر من 500 عام.
سرق شتلة القهوة أولاً من اليمن الهولنديون الذين حاولوا زراعتها في أمستردام دون فائدة ليقوموا بعدها بتجربة زراعتها فيما سُمّيت الهند الشرقية الهولندية حينها وهي إندونيسيا اليوم.
وسَرَقَها بعدهم البرتغاليون ليزرعوها بنجاح في البرازيل. ومن بعدهم الإنجليز ليزرعوا القهوة في الهند فَغَدَت الأخيرة من أكبر مُنتجي ومُصدري حبوب القهوة في العالم كما هو الحال مع كُلٍّ من إندونيسيا والبرازيل.
بحسب آخر الإحصائيات على موقع مُنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المُتحدة لعام 2022، احتلت البرازيل المرتبة الأولى في إنتاج حبوب القهوة بينما احتلت إندونيسيا المركز الثالث والهند المركز الثامن بين مُنتجي حبوب القهوة. كما احتلت البرازيل وإندونيسيا ذات المراتب في تصدير حبوب القهوة (من حيث الكمية).
أمّا اليمن، فَخَسِر أكثر بكثير من بضع شتلات قهوة تم تهريبها وزراعتها في مواقع جيوغرافية مُناسبة من حيث جودة التُربة والمَناخ.
فاليمن اليوم ليسَ مِن كبار مُنتجي ومُصدري حبوب القهوة بالرُغم من وجود إنتاج حالي يُصنَّف في المُسابقات الدُّولية الخاصة بالقهوة على أَنَّهُ من أجود أنواع القهوة.
لِمَ خسر اليمن موقعه في سِلعة غذائية كانت حصراً به وحده قبل مئات الأعوام؟ تكمُنُ إجابة هذا السؤال في نُقطتين:
أولاً، لم يضع اليمن نفسه على الخارطة العالمية لإنتاج وتجارة حبوب القهوة بسبب وجود العديد من الوسطاء بين مُنتجي حبوب القهوة في اليمن ومُستهلكيها في الأسواق العالمية.
الوسطاء بدورهم يقومون ببخس المُزارعين حقهم في الحصول على سعرٍ عادل وربحٍ مُناسب لمُنتجهم ليحصل الوسطاء بالتالي على أكبر فائدة مُمكنة من تجارة حبوب القهوة.
بسبب ذلك، فَضَّلَ المُزارعون في اليمن زراعة القات على زراعة القهوة نظراً للسعر المُرتفع الذي يحصل عليه القات في السوق المحلي والذي لا يُمكن تحقيقه مع القهوة.
ثانياً، لم يحدث في اليمن ما حَصَل في دولة كفيتنام مثلاً، والتي صنَّفتها مُنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المُتحدة كثاني أكبر مُنتج ومُصدر (من حيث الكمية) لحبوب القهوة في عام 2022.
حيثُ ارتفع عدد المقاهي التي تستخدم إنتاج فيتنام من حبوب القهوة، بالإضافة لحبوب القهوة المُستوردة من دُوَل أُخرى، كنتيجة طبيعية لحراك سُمِّي بالموجة الثانية للقهوة، وَهِيَ بالمُختصر تحوُّل القهوة مِن سِلعة إلى ثقافة تشمل مكان وطريقة احتساء القهوة، تليها الموجة الثالثة للقهوة والتي تُعنى بجودة القهوة المُحتساة كالقهوة المُختصة.
وَجَدَتْ حبوب القهوة اليمنية ذات الجودة العالية مُؤَخرًّا طريقها للمقاهي العالمية بعد أن قام أحد رواد الأعمال الأمريكيين من أصول يمنية بتبنّي إيصال حبوب القهوة اليمنية إلى مقاهٍ ذات انتشار واسع في الولايات المُتحدة الأمريكية كـ "Blue Bottle"، إلا أنَّ الانتشار الواسع لها عالمياً، كما حَدَث مع حبوب القهوة البرازيلية، لا يزال أمراً بعيد المنال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة