يبدأ اليوم، الإثنين، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، هي الأولى من نوعها بعد توليه رئاسة الدولة.
وبالنظر إلى توقيت الزيارة وأجندتها، يمكن تأكيد أنها تعد زيارة تاريخية بامتياز، فهناك دلالة سياسية كبيرة لاستقبال رئيس دولة الإمارات رسمياً في البيت الأبيض، حيث لم يتبقَّ سوى أسابيع قليلة على التصويت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الذي يجري في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. بما يعنيه ذلك من انشغال الرئيس الأمريكي والإدارة بأكملها، بل والأوساط السياسية والاقتصادية الأمريكية كلها وانغماسها الكامل في الترتيبات الأخيرة لمجريات العملية الانتخابية.
ويمكن فهم هذا الاستقبال في هذا التوقيت بأنه يعكس أهمية ومحورية دولة الإمارات ورئيسها لدى الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تطورات وأزمات متلاحقة، تجعل التواصل والتشاور المباشر مع الدول الإقليمية المحورية أمراً ضرورياً ليس فقط لاستقرار المنطقة وإنما أيضاً من منظور مصالح الولايات المتحدة نفسها.
وإذا ما نظرنا في الإطار العام الذي يحكم العلاقات الإماراتية-الأمريكية، سنجدها أنها تنطلق من الاعتماد المتبادل ومن الوثوق الكامل بين الحليفين، في القدرات والإمكانات وتقارب الرؤى ودقة الحسابات الاستراتيجية.
بل وفي رشادة استخدام الأدوات وتسخير الإمكانات لصالح الاستقرار والأمن والتنمية في الشرق الأوسط الذي تمثل دولة الإمارات لاعباً أساسياً ومحورياً فيه. وكذلك في العالم الذي تمثل الولايات المتحدة عموداً رئيسياً بالنسبة له.
لقد دخلت دولة الإمارات بقوة في الأعوام الأخيرة ضمن لاعبيه الرئيسيين في النظام الدولي، خصوصاً في القضايا العالمية من حيث التصدي للتحديات العابرة للحدود والتهديدات غير التقليدية التي باتت حاضرة بقوة في المشهد العالمي، واستطاعت الإمارات أن تكسب احترام العالم في موقفها فيه.
وكما أن العلاقات بين الدولتين شاملة ومتنوعة ومتعددة المسارات، فهي أيضاً ليست أحادية الاتجاه، وإنما متبادلة في كل أوجهها، لذلك هي علاقات متوازنة وسوية ولا تميل إلى أي من الطرفين على حساب الآخر.
فكما أن للولايات المتحدة الأمريكية حلفاء وأصدقاء وتفاهمات مبدئية وتنسيقات مع أطراف كثيرة إقليمية وعالمية، لدولة الإمارات، في المقابل، حلفاء وأصدقاء ومسارات تعاون وتنسيق مع أطراف وقوى عالمية أخرى، بل توازنها هذا كان في صالح استقرار الأمن العالمي.
من شأن هذا التنوع والتوازن في العلاقات الخارجية أن يتيح لأي دولة في العالم رسم سياساتها واتخاذ قراراتها بالقدر اللازم من الاستقلالية وفق حساباتها وتقديراتها لأمنها ولأهدافها الاستراتيجية ومصالحها العليا.
وهذا هو الطبيعي والمنطقي، بل والضروري لأي دولة ذات سيادة وتملك من الإمكانات والقدرات ما يكفل لها ممارسة سيادتها هذه من دون قيود أو محاذير من أي اتجاه، سوى ما تقتضيه مصالحها ويتطلبه أمنها.
ومن أبرز الأمثلة على ما سبق ذكره في حالة العلاقات الإماراتية-الأمريكية، أن التعاون بين البلدين في أهم المجالات وأكثرها دقة وحساسية، وهو المجال الدفاعي والعسكري، لا يتعارض بالمرة مع سيادة دولة الإمارات واستقلالية قراراتها.
ففي فبراير/شباط الماضي 2024 مثلاً، أبلغت حكومة دولة الإمارات الولايات المتحدة الأمريكية، أنها لن تسمح باستخدام الطائرات الأمريكية الموجودة في قاعدة الظفرة الجوية، ضمن الضربات التي توجهها واشنطن إلى مواقع وأهداف داخل اليمن أو العراق. وبالفعل، التزمت الولايات المتحدة بهذا القرار السيادي الإماراتي.
الفكرة هنا أن الموقف الإماراتي ذلك إنما هو تجسيد دقيق للحسابات المتوازنة التي تحكم سياسات الإمارات وتحركاتها تجاه حلفائها وأصدقائها قبل خصومها. وبعبارة أكثر وضوحاً، الاعتماد المتبادل بين الدول لا يعني بالمرة التبعية أو الانصياع من طرف إلى توجهات وسياسات الطرف الآخر بشكل مطلق ومفتوح وإنما تنطلق من تنسيق التحركات وتكامل السياسات ووجود مساحات تفاهم وتوافق تجمع بينها.
ما نريد قوله هنا إن التوافق والاتفاق بين الدول لا يكون مطلقاً أو ثابتاً، وإنما يظل محصوراً في المساحات المشتركة بينها وهنا شروط لاستمراريتها، فإذا اختفت تلك المساحات أو تقلصت أو تبدلت معطياتها، تتغير بالضرورة حدود وطبيعة ومضمون التفاهمات والتوافقات مع هذه الدولة أو تلك.
وهنا يعود بنا الزمن إلى بدايات عام 2022 عندما تقاعست الولايات المتحدة الأمريكية عن الرد على اعتداءات وجهتها جماعة الحوثي ضد دولة الإمارات، فإن دولة الإمارات لم تتردد في لوم الحليف الاستراتيجي لها وقد وجدت الإدارة الأمريكية وقتها موقف الإمارات منطقياً ومبرراً.
ولأن العقل السياسي والقرار الإماراتي رشيد وموضوعي، فإن الاختلاف في التقدير أو في التصرف بشأن بعض المواقف والقضايا، لا يعني الإضرار بمجمل العلاقات الجيدة أو تعطيل التعاون في مجالات أخرى مفيدة ومهمة للجانبين.
والمثال الأبرز والمجال الأكثر تجسيداً لهذا النمط الموضوعي العقلاني، هو التعاون الاقتصادي، حيث شهدت التبادلات التجارية بين الدولتين تنامياً ملحوظاً ومطرداً لم يتأثر بالمستجدات السياسية أو بأي صعود أو هبوط في أي من المسارات الأخرى للعلاقات.
فقد ارتفع حجم التبادل التجاري للسلع غير النفطية في عام 2023 إلى حوالي 31.72 مليار دولار، صعوداً من 27.75 مليار دولار في عام 2022، أي بزيادة نسبتها 14.8%.
فضلاً عن استمرار الإمارات في موقع الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، بنصيب يبلغ 27% من إجمالي التجارة الأمريكية مع دول المنطقة.
إن هذه الزيارة والحفاوة التي تم بها الإعلان من البيت الأبيض من خلال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، تأكيد عملي لحرص الجانبين على عدم حصر العلاقات بينهما في المسائل السياسية أو الاقتصادية والعسكرية وإنما لتشمل كل الجوانب الأخرى.
وتأكيد على أيضاً على الرغبة في العمل المستمر وتدعيمها في كل المجالات الإنسانية والتنموية بمعناها الشامل والواسع، ومن أبرزها البحث العلمي الذي يمثل بوابة للمستقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة