زيارة تاريخية مرتقبة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، تبرز أهميتها من كونها أول زيارة رسمية لسموه منذ توليه الرئاسة، وأول زيارة رسمية لرئيس لدولة الإمارات إلى البيت الأبيض منذ تأسيس الاتحاد.
وسيعقد على هامش الزيارة لقاء مهم مع الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين وقادة قطاع التكنولوجيا. وتمثل هذه الزيارة فرصة لتعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين، والتي تمتد لأكثر من خمسة عقود، ولتطوير رؤية مشتركة تتعلق بالمستقبل الاقتصادي والتكنولوجي للمنطقة والعالم، وسيكون العنوان الرئيسي للزيارة هو سبل تعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة، ما يعكس ملامح السياسة الإماراتية الحديثة ورؤيتها نحو المستقبل.
وتسعى دولة الإمارات إلى بناء شراكة جديدة مع الولايات المتحدة تستند إلى التحولات العالمية، إذ تحرص على التحول إلى قوة عالمية رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة.
وقد مهدت الطريق لهذه الشراكة عبر عدد من الاتفاقيات التي تعكس الثقة المتبادلة بين البلدين، بما في ذلك الاستثمار بين شركة "مايكروسوفت" وشركة G42 الإماراتية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي.
وتريد دولة الإمارات تحويل شراكتها مع الولايات المتحدة من شراكة تعتمد بشكل رئيسي على التعاون الدفاعي والأمني إلى شراكة ترتكز على أدوات الابتكار والتكنولوجيا، وتعد شركة G42 الإماراتية جزءاً من هذه الاستراتيجية الطموحة، حيث تسعى إلى توسيع نفوذها في الأسواق العالمية من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ومن المتوقع أن تتناول المحادثات سبل تعزيز التعاون الثنائي في المجالات الدفاعية والأمنية، حيث تعتبر دولة الإمارات شريكاً عسكرياً موثوقاً للولايات المتحدة، فالبلدان شاركا في العديد من التحالفات الدولية التي قادتها واشنطن، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب. كما أن دولة الإمارات عضو مؤسس في الاتفاقيات الإبراهيمية، التي تمثل تطوراً هاماً في مستقبل السلام بالمنطقة.
وتتسم هذه الزيارة بأهمية خاصة في توقيتها الدقيق، فهي تأتي في ظل توترات عالمية وإقليمية كبيرة، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط.
ومع تفاقم الأزمات، مثل الحرب المستمرة في غزة، والأزمة في السودان، فإن دولة الإمارات تلعب دوراً رئيسياً في تقديم المساعدات الإنسانية، والسعي لحل النزاعات.
وحول سيناريوهات اليوم التالي ما بعد الحرب في غزة، ستكون الزيارة فرصة قيمة لطرح الرؤية الإماراتية حول مستقبل الصراع، لكون الولايات المتحدة تملك الثقل وأدوات التأثير على طرفي الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وكان الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير خارجية الإمارات، قد صرح بأن "الإمارات غير مستعدة لدعم اليوم التالي من الحرب في غزة دون قيام دولة فلسطينية"، ما يحمل عدة دلالات مهمة، أهمها التزام دولة الإمارات برؤية حل الدولتين كشرط أساسي لتحقيق استقرار مستدام في المنطقة، وأن الحلول المؤقتة أو قصيرة المدى غير مجدية، والحل الجذري يكمن في قيام دولة فلسطينية مستقلة، تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل.
والواقعية مطلوبة، فلا يمكن التعامل مع نتائج الحرب دون حل جذري للأزمة، ودعم إعادة الإعمار بعد الحرب يتطلب وجود ضمانات سياسية لحل القضية الفلسطينية، وتحريك عملية السلام والعودة إلى طاولة المفاوضات.
تزامن زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات إلى واشنطن مع سخونة الانتخابات الأمريكية يعكس بُعداً استراتيجياً مهماً، فدولة الإمارات تنظر إلى المستقبل وإلى طموحاتها المبنية على مبادئ سياستها الحديثة، وخصوصاً أن الاقتصاد هو محرك الدبلوماسية الإماراتية، والاستثمار في الملفات التكنولوجية باتت أولوية رئيسية لدى دولة الإمارات.
ولهذا تبحث دولة الإمارات عن علاقة استراتيجية جديدة مع واشنطن، بغض النظر عن النتائج الانتخابية، ما يعكس مرونة سياسية ودبلوماسية شفافة، وحرصا إماراتيا على التعاون مع أي إدارة أمريكية مستقبلية، في توازن جاذب يجعل من الزيارة خطوة استباقية لضمان استمرارية العلاقات الوثيقة مع واشنطن في مرحلة ما بعد الانتخابات، مما يُعد رهاناً ناجحاً على الحفاظ على المصالح الاستراتيجية لدولة الإمارات على المدى الطويل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة