لم يكن اللقاء مجرد اجتماع روتيني، إذ انعقد في ظل تحديات عدة، وتهديدات أمنية خطيرة لدول المجلس والمنطقة.
لم تكن القمة الـ39 لقادة دول مجلس التعاون الخليجي مجرد لقاء روتيني للزعماء الخليجيين، ومن المؤكد -وقد كنت قريباً من كواليسها- ليست مجرد اجتماع روتيني يهدف لإظهار مجلس التعاون الخليجي بأنه على قيد الحياة. على النقيض من ذلك كانت قمة الرياض التي ترأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أبلغ دليل على أن ممارسات قطر المؤذية لم تفت في عضد المجلس، كما تحاول أن تزعم الدوحة والعاصمتان المواليتان لها (طهران وأنقرة).
لم تكن قمة الرياض الخليجية مناسبة لالتقاط الصورة التذكارية الجماعية للقادة، فقد درست ملفات ساخنة مهمة، على رأسها استكمال مسيرة التعاون الخليجي التي تعمل جميع الأطراف، عدا نظام «الحمدين»، على الارتقاء بها، وصولاً إلى التكامل والوحدة
لم يكن اللقاء مجرد اجتماع روتيني، إذ انعقد في ظل تحديات عدة، وتهديدات أمنية خطيرة لدول المجلس والمنطقة. فهناك التحدي المتمثل في التدخلات الإيرانية في شؤون الدول الأخرى، ومساعي النظام الإيراني لاختراق السعودية والإمارات والكويت والبحرين من خلال عميله الحوثي في اليمن وعملائه وطابوره الخامس؛ وما التحدي أخطر الذي لا يستثني بلداً في أرجاء العالم، إلا الإرهاب الذي تعددت وجوهه ووسائله من المتطرفين الذين تم غسل أدمغتهم، وبرمجتها على العنف والتكفير والتفجير والتدمير، إلى المتشددين ذوي المصلحة الراسخة في إحداث الفوضى، والحلول محل البلدان التي تنعم بالاستقرار، ويتصدر هؤلاء جماعة الإخوان المسلمين، وما تفرّع عنها من منظمات إرهابية، منها «القاعدة»، و«داعش»، ومسميات عدة في آسيا وأفريقيا، وما يشابهها من على شاكلة «حزب الله»، و«الحشد» واختطافهم لقرارات الدولة بالقوة.
لم تكن قمة الرياض الخليجية مناسبة لالتقاط الصورة التذكارية الجماعية للقادة، فقد درست ملفات ساخنة مهمة، على رأسها استكمال مسيرة التعاون الخليجي التي تعمل جميع الأطراف، عدا نظام «الحمدين»، على الارتقاء بها، وصولاً إلى التكامل والوحدة. ويشمل هذا الاستكمال مشاريع ضخمة قائمة فعلياً كسكك الحديد التي تربط دول المجلس، ومسألة الاتحاد الجمركي، وقيام السوق الخليجية المشتركة. كما أن القادة المشاركين في قمة الرياض أقروا عدداً من القوانين الخليجية بغرض توحيد المنظومة القانونية في دول المجلس.
ولعل «إعلان الرياض» الذي صدر عن القمة فيه ما يغني المرء عن الاستفاضة في هذه الجوانب.
ولم تكن مقاطعة قطر ضمن أولويات القمة، بل تعتبر مشكلتها بالنسبة للدول المقاطعة لها «صغيرة جداً» وسترتد إلى نحر نظامها الحاكم.
ولم يناقش القادة الخلاف مع الدوحة على أي مستوى، لأن الدول الأربع الداعية إلى محاربة الإرهاب أكدت أخيراً، خلال المحادثات التي أجراها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في القاهرة خلال الجولة الأخيرة لولي العهد، أن قطر يجب أن تنفذ المطالب الـ 13 التي اشترطتها الدول الأربع بُعيد وقوع الأزمة التي أدت إلى مقاطعة الدويلة الداعمة للإرهاب والمحرضة على الفوضى والخراب. وقد أغلق إعلان ولي العهد والسيسي الباب أمام أية وساطات دولية لاستئناف علاقاتها مع قطر، وسيبقى الحل في الرياض وداخل البيت الخليجي. ولابد من الإشارة في هذا الجانب إلى أن مشكلة قطر التي لا تغتفر تتمثل في أنها تتدخل في شؤون السعودية والإمارات والبحرين والكويت، وهي دول خليجية يفترض أن تكون قطر حريصة على أمنها لا أداة لزعزعة استقرارها.
كما أن أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الذي حضر قمة الرياض هو أكثر زعيم يمكن أن يشهد بمدى مكابرة قطر، ورفضها الاستجابة لنداء العقل بالتخلي عن سياسات التدخل، واستضافة الجماعات الإرهابية التي تعمل على تقويض استقرار الدول الخليجية والعربية.
كانت «قمة الرياض» الخليجية نجاحاً جديداً لدبلوماسية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وثبات مبادئ سياسته الخارجية التي تتمسك بالموقف السعودي الراسخ تجاه قضية فلسطين، والحل السلمي المنشود في اليمن وسورية، والحرص على علاقات إستراتيجية قوية مع العراق. وكانت كلمة الملك سلمان بشأن التهديدات الإيرانية صادقة في إبراز تحدٍّ يواجه دول المجلس قاطبة، بما في ذلك قطر التي سلّمت أمرها لإيران وتركيا بغرض مكايدة ومناكفة الزعماء الخليجيين، وهي في الحقيقة سلّمت سيادتها للتحكم الإيراني - التركي.
إيران تريد استعادة إمبراطوريتها البائدة والتوسع على حساب دول الخليج، وبعدما فشلت في مساعيها لإذكاء نار الفتن الطائفية والمذهبية في السعودية، والبحرين، والإمارات والكويت، قررت أن تحتل اليمن تحت دثار عميلها هناك عبدالملك الحوثي، وبمساندة حزب الله اللبناني، ظناً منها أن اليمن سيكون مدخلها لزعزعة أمن الخليج واستقراره. لكن السياسة السعودية سارعت مع شقيقاتها إلى لجمها عبر تشكيل التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، وهو ما أحبط آمال الإيرانيين وأذيالهم.
الأكيد أنه على الرغم من أن الأولوية للتحديات الراهنة والقضايا الأمنية عالية جداً، فإن استكمال مسيرة التعاون والتكامل الخليجي تصدرا اهتمام زعماء بلدان مجلس التعاون الذي نتوقع أن يتحول في نهاية المطاف إلى كتلة اقتصادية فعالة تشغل موقعاً حيوياً ضمن التكتلات الاقتصادية العالمية، خصوصاً بين السعودية والإمارات والبحرين. وهي مسيرة لا تحتمل التعطيل ولا التأجيل، مثلما لا تحتمل القضايا الأمنية التي تواجه دول المجلس، التهاون في ظل ظروف إقليمية حرجة.
نقلا عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة