في سيرة الرحالة العربي الملقب بأمير الرحالة المسلمين "ابن بطوطـة" سألوه عند حدود بلاد الهند عن الغرض من زيارته
في سيرة الرحالة العربي الملقب بأمير الرحالة المسلمين "ابن بطوطـة" سألوه عند حدود بلاد الهند عن الغرض من زيارته، لما أن السلطان محمد شاه "أمر أن لا يدخل أحد بلاد الهند إلا إن كان برسم الإقامة"، فأجاب ابن بطوطة بأنه فعلا يعتزم المقام في خدمة سيد البلاد!، فلما أخبرهم بذلك، استدعـوا القاضي والعدول، وكتبوا عليه عقدا بذلك.
وفي موضع آخر من سيرة الرحالة الشهير يذكر ابن بطوطة ظاهرة "الخدمـة" قاصداً بها طريقة التعبير عن الإجلال والاحترام، وهي عبارة عن حط الرأس نحو الركوع، وبخاصة عند مقَدْم بعض قادة رجال الدين والمعرفة والدولة، حيث يقف بعضهم وقد قارن يديه معاً وطأطأ الرأس وحيث يعمد بعضهم إلى حركة تشبه أن تدل على أنه يحاول أن يلتقط بيمناه ما يمكن أن يكون هواء أو نوراً، ويرفع يده اليمنى تلك في اتجاه قلبه ليمسح بها على صدره.
هنا أورد دليلين من تاريخ الهند العريق، لأؤكد على أن بين دولتينا الإمارات العربية المتحدة والهند تاريخياً، وقبل أن تكونا دولتين بالمفهوم الحديث للحدود والكيانات السياسية، الكثير ليكون مساحة تفاعل وتشارك حضاري ومعرفي وفكري قبل أن يكون اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً.
وهل أقدر من الهند دولةً حاضرةً لأن تقدّم لنا أفضل الممارسات في التسامح والتعايش السلمي؟
وهل أقدر من الهند دولةً حاضرةً لأن تقدّم لنا أفضل الممارسات في التسامح والتعايش السلمي، والبحث العلمي والازدهار الاقتصادي واقتصاد المعرفة، والتنمية المستدامة، دونما مساس بالأصالة والهوية والإرث المعرفي والفكري والخصوصية الثقافية؟، فالهند أولاً أكبر ديمقراطية في العالم المعاصر اليوم، إذ تتمتع بنظام ديمقراطي جمهوري تعددي عرقياً ولغوياً ودينياً، يضمن لمواطنيها المليار حرية الرأي والتعبير والاعتقاد، والهند دولة يشكل فيها الهندوس مع تنوع معتقداتهم ولغاتهم أكثر من 82% من سكانها، والمسلمون (12%) والمسيحيون (2.34%) والسيخ (1.94%) والبوذيون (0.76%) وغيرهم 0.39%.
أما على مستوى اللغات فتعترف الهند بأكثر من مائة لغة ولهجة، تم الاعتراف رسمياً باثنين وعشرين منها في دستور البلاد، وبالرغم من أن اللغة الهندية يتكلم بها أكثر من 40% من السكان، فقد اعتمدت الإنجليزية كلغة رسمية إضافةً إلى اللغات المعتمدة في الولايات التي يغلب فيها الناطقون بها.
الاقتصاد الهندي اليوم ثالث أكبر اقتصاد في آسيا وهو ينافس الاقتصاد الصيني بنسبة نمو قاربت 8%
إذاً، هذا هو النموذج الهندي الذي تسعى قيادتنا الرشيدة للتماثل معه، وتوقع مع رجالاته شراكات استراتيجية بعيدة الأمد، وتعمل على الاستفادة من فرص التلاقي والتبادل النفعي معه في كلّ المجالات. بل هذا هو الشريك الاستراتيجي القوي الذي يستطيع أن يقدّم لدولتنا تعاوناً جيوسياسياً يسهم بفعالية في تحقيق رؤيتها في الاستدامة الاقتصادية والتنمية البشرية بحكم وحدة الإقليم والجغرافيا، وسهولة نقل الخامات الصناعية وقلة كلفة اليد العاملة، والعديد من المحفزات التي لا تتوافر في تعاون الدولة مع كيانات أخرى قريبة أو بعيدة.
ارتأت القيادة الحكيمة لدولة الإمارات بتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، التي ترجمتها الزيارة الرسمية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أن في الهند فرصاً لتمكين التجربة الإماراتية في استشراف المستقبل، ودروساً مستفادة في النهوض كعملاق اقتصادي آسيوي، نمراً من أرقام لا من ورق، فالاقتصاد الهندي اليوم ثالث أكبر اقتصاد في آسيا، وهو ينافس الاقتصاد الصيني بنسبة نمو قاربت 8%، هذا مع الإشارة إلى أن معدّل نمو اقتصادي سنوي بمعدّل 6 بالمائة فقط يعني أن الهند سوف تحتل المرتبة الاقتصادية الثالثة على الصعيد العالمي قبل حلول عام 2040، كما تؤكد الأرقام أن الهند ستغدو خلال السنوات الخمس القادمة ثالث مساهم في النمو الاقتصادي العالمي بعد الصين والولايات المتحدة الأميركية.
الهند تتصدر قائمة الشركاء التجاريين للدولة فيما تأتي الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند
وبحسب معالي سلطان المنصوري، وزير الاقتصاد، فإن الهند تتصدر قائمة الشركاء التجاريين للدولة فيما تأتي الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند بحجم تبادل تجاري غير نفطي يقدر بـ34 مليار دولار خلال عام 2015 وأكثر من 17 مليار دولار خلال النصف الأول من 2016. وتعد الإمارات أكبر مستثمر عربي بالهند وتحتل المركز العاشر على صعيد حجم الاستثمارات الأجنبية في الهند فيما تمثل الهند ثالث أكبر مستثمر أجنبي بالدولة بحجم استثمارات تتجاوز 6 مليارات دولار.
شكراً كبيرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد على هذه الزيارة/ الرؤية، بل هي القفزة الجبارة إلى الأمام بفكر خليفة حفظه الله، وعزم المحمّدين رعاهما الله، وحكمة زايد، رحمه الله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة