من «كابح» للرئاسة إلى داعم لسلطتها.. سر تحول الحزب الجمهوري

رغم اتهام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ«تعزيز سلطاته الرئاسية» عبر «التغول» على الهيئات الحكومية المستقلة، إلا أن نهج دونالد ترامب، يلقى قبولا وتأييدًا من الحزب الجمهوري.
ففي أحدث محاولاته لتوسيع سلطته الرئاسية، أصدر الرئيس ترامب أمرًا تنفيذيًا يعزز سلطته على الوكالات التنظيمية المستقلة.
وبحسب تقرير لمجلة فورين بوليسي، سعى ترامب لتوسيع سلطاته لتشمل لجنة الأوراق المالية والبورصات والمجلس الوطني لعلاقات العمل، وبعض جوانب عمل الاحتياطي الفيدرالي. ورغم تصميم الكونغرس هذه الهيئات الحكومية لتكون مستقلة عن إشراف البيت الأبيض، إلا أن ترامب وسّع نفوذه ليشملها.
والآن، بات لزامًا على هذه الوكالات تقديم مقترحاتها التنظيمية للمراجعة من قبل البيت الأبيض، وأصبح لمكتب الإدارة والميزانية صلاحية حجب الأموال و"تعديل" النفقات وفقًا لرغبات الرئيس. إضافة إلى ذلك، أصبح لوزارة العدل والرئيس الكلمة الفصل في تحديد ما هو قانوني.
ورغم أن ترامب يزعم أنه يقاتل من أجل تقليص الحكومة، إلا أن أسلوبه في فرض سلطته من جانب واحد - والذي يتحدى بوضوح سلطة المحاكم والكونغرس - يمثل نموذجًا للحكومة الكبيرة والمهيمنة، تقول «فورين بوليسي».
وعلى الرغم من أن الكونغرس كان رادعًا للسلطة التنفيذية على الدوام، إلا أن الجمهوريين في الكابيتول اليوم يبدون مستعدين لتسليم المزيد من السلطة التشريعية للرئيس، بحيث لا يكون هناك شيء يعيق تنفيذ رؤيته.
وأشارت إلى أن الأزمة الدستورية الحالية لا تتعلق بشخص واحد فقط (ترامب)، بل تعكس تحوّل الحزب الجمهوري، الذي أصبح داعمًا متحمسًا لمنح الرئيس الأمريكي ضوءًا أخضر لاستخدام سلطته الفيدرالية المطلقة.
فلماذا يدعم الجمهوريون ترامب؟
الإجابة ليست وليد اللحظة، بل تتويج لعقود من التغيير التدريجي داخل الحزب الجمهوري، حيث بات يرى في الرئيس القوي أداة ضرورية لتنفيذ أجندته السياسية، حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ الدستورية التي كان يعلي من شأنها في الماضي.
واستدلت المجلة الأمريكية على رؤيتها بفصول من التاريخ الأمريكي، قائلة إن الحزب الجمهوري أبدى في البداية تشككًا تجاه امتلاك أي مسؤول، بما في ذلك الرئيس، سلطات غير محدودة. فخلال حقبة روزفلت، على سبيل المثال، انتقد الجمهوريون بشدة محاولته توسيع حجم المحكمة العليا، معتبرين ذلك خطوة استبدادية شبيهة بما كان يحدث في أوروبا الفاشية آنذاك.
وحتى في أواخر الأربعينيات، كان هناك جمهوريون بارزون، مثل السيناتور روبرت تافت، يحذرون من تحول الولايات المتحدة إلى "دولة عسكرية" بسبب توسع السلطة التنفيذية.
سر التحول
لكن الموقف الجمهوري بدأ يتغير تدريجيًا مع صعود الرئيس دوايت أيزنهاور، الذي كان شخصية سياسية محبوبة، ما جعل العديد من الجمهوريين يتجاهلون استخدامه لسلطة "الامتياز التنفيذي" لحماية مساعديه من استجوابات داخل حزبه.
إلا أن التحوّل الحقيقي جاء خلال فترة رئاسة ريتشارد نيكسون (1969-1974)، الذي استغل السلطة الرئاسية إلى أقصى حد، فقد قام بتجميد مليارات الدولارات من التمويل الذي خصصه الكونغرس، وشن عمليات عسكرية سرية دون موافقة الكونغرس، وحاول استخدام الأجهزة الحكومية ضد خصومه السياسيين.
وعندما كشف الإعلام عن وثائق البنتاغون التي فضحت أكاذيب الحرب في فيتنام، حاول نيكسون منع الصحف من نشرها، بل وضغط على وكالة المخابرات المركزية لوقف تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي في فضيحة "ووترغيت".
ورغم أن تداعيات ووترغيت أدت إلى تمرير قوانين تحدّ من السلطة الرئاسية، مثل قانون سلطات الحرب عام 1973، إلا أن هذه الإصلاحات كانت محدودة التأثير. ورأى العديد من الجمهوريين الذين عملوا مع الرئيس جيرالد فورد - بما في ذلك ديك تشيني، الذي كان كبير موظفي البيت الأبيض آنذاك - أن التحقيق مع نيكسون لم يكن سوى "مكيدة حزبية"، وأن المشكلة لم تكن في السلطة التنفيذية بل في شخص نيكسون نفسه.
ومع وصول ريغان إلى البيت الأبيض (1981-1989)، اكتملت القطيعة مع الماضي الجمهوري المعارض للسلطة التنفيذية المطلقة. فريغان لم يكن مجرد رئيس قوي؛ بل كان رمزًا لإمكانات الرئاسة في إعادة تشكيل السياسة الوطنية. وكان يستخدم الأوامر التنفيذية لإلغاء الضوابط البيئية، وفرض رقابة مشددة على ميزانيات الوكالات الحكومية. وعندما قيد الكونغرس دعم المتمردين في أمريكا الوسطى، تورط مسؤولون كبار في إدارته في تحويل أموال من مبيعات أسلحة لإيران لتمويل المتمردين، في فضيحة "إيران-كونترا".
التغيير الأكبر
واستمر دعم الجمهوريين للسلطة الرئاسية خلال إدارات جورج بوش الأب وبيل كلينتون، لكن التعزيز الأكبر جاء بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، عندما وسع الرئيس جورج بوش الابن، بدعم من نائبه تشيني، صلاحيات السلطة التنفيذية بشكل غير مسبوق، حيث تم تبرير سياسات مثل التنصت غير المصرح به والتعذيب على أنها ضرورات لمكافحة الإرهاب.
واليوم، وصل الجمهوريون إلى ذروة هذا التوجه مع ترامب. فخلال فترة ولايته الأولى، لم يُبدِ الحزب أي اعتراضات على «تجاوزاته، حتى عندما حاول قلب نتائج انتخابات 2020»، تقول فورين بوليسي، مضيفة: بعد نجاته من المساءلة السياسية، عاد ترامب أكثر جرأة، مستفيدًا من تاريخ طويل من توسع السلطة الرئاسية داخل الحزب الجمهوري.