يحاول البعض التخفيف من إيقاع دعوة الحشد إلى امتلاك القوة الجوية، إلا أن ما شاع مؤخراً ليس بالضجة المفتعلة
لا يزال الحشد الشعبي الذي انطلق بفتوى من علي السيستاني يسيطر على مراكز القرار في السياسة العراقية، لا رئيس الوزراء باعتباره أعلى سلطة تنفيذية قادر على الحد من قوته، ولا هو يرضى أن يندمج مع الجيش النظامي، وهكذا تولد لدينا جيشان، جيش نظامي وجيش موازٍ. ما الحل؟ وكيف ستنتهي قصة هذا الصراع الخفي والمعلن؟ قادة هذا الحشد الشعبي يعتبرون أنهم فوق إرادة المجتمع العراقي على الرغم من عمليات الإجرام التي تقوم بها المليشيات من خطف وقتل وفساد.
وهكذا رأى هذا الحشد أن سيطرته على الأرض والبحر لا تكفي، بل يريد أن يسيطر على الجو الذي أمطر بخزائن سلاحه بضربات موجعة.
حسب الوثائق، أعلن نائب رئيس الحشد الشعبي في العراق أبومهدي المهندس تشكيل "مديرية القوة الجوية كما يلي: استناداً للأمر الديواني المرقم (79) لسنة 2014 والمبلغ بكتاب مكتب رئيس الوزراء، وللصلاحيات المخولة إلينا، ولمقتضيات المصلحة العامة نسبنا تشكيل مديرية القوة الجوية". وتمت تسمية صلاح مهدي حنتوش المكصوصي قائداً لمديرية القوة الجوية، وحنتوش هذا مشمول بقائمة عقوبات سابقة صادرة عام 2010 من وزارة الخزانة الأمريكية.
في حقيقة الأمر تبقى حالة العراق جامدة لا تعرف الاستقرار بسبب هذه "الفوضى الخلاقة" التي خلقت من الدولة هيكلاً هشاً تتناهبه المليشيات من كل حدب وصوب، فيما تعتبر العراق حديقتها الخلفية ليكون ساحة حرب وصراع وتوتر، ولكن إلى متى؟ الوقت وحده قادر على الإجابة عن ذلك
يحاول البعض التخفيف من إيقاع دعوة الحشد إلى امتلاك القوة الجوية، إلا أن ما شاع مؤخراً ليس بالضجة المفتعلة، لا يزال الحشد، بكل تشكيلاته واقتصاده وأنصاره على درجة كبيرة من القوة المؤثرة في مفاصل الدولة العراقية، فهي قوة مستقلة تضاهي الجيش والقوات الأمنية بل تنافسها.
يبقى الحشد أكثر عقائدية من الجيش لذلك يفضله الإيرانيون، والدليل على ذلك أن غالبية هذه المليشيات التابعة للحشد تقلدت مقاعد وزارية مهمة، بينما أخفق رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي في تشكيل حكومة وطنية مستقلة وعابرة للطائفية، مثلما أخفق في حل هذه المليشيات المسلحة أو دمجها بالجيش.
يبدو أن الحشد له قوة خفية يستمدها من الداخل والخارج، ولا أحد قادر على استفزازه أو النيل منه. كما لا يتجرأ أي سياسي أو برلماني أن يطالب بحل مليشياته لأنه فوق الجميع، بل للحشد طموحات أكثر من ذلك، أي في التحول إلى نوع من الحرس الثوري العراقي على غرار الحرس الثوري الإيراني المستقل عن القوات الإيرانية النظامية، واحتوائه على قوات برية وبحرية وجوية.
في نظر الملالي إن عقلية الجيش قابلة للتطور أكثر من المليشيات التي تقدم ولاءها العقائدي بلا قيد أو شرط، حتى وإن كان هذا الجيش تم اختياره على أسس طائفية معروفة بعد إلغاء الخدمة الإلزامية، ومن المتحمسين والداعمين لهذا الحشد هو النظام الإيراني الذي يسعى إلى تقوية هذه المليشيات المسلحة، ليس في العراق فحسب بل في سوريا واليمن ولبنان على حساب جيوش هذه البلدان.
لذلك لا يوجد تضارب مصالح بين قوى كبيرة تتظاهر بالصراع ولكنها تتفق على استراتيجية واحدة، رغم مطالبة الولايات المتحدة إيران بحل مليشياتها المنتشرة، أما في العراق تبقى المحاصصة الطائفية هي سيدة الموقف حتى الآن، متمثلة في الطبخة السحرية: رئيس الوزراء شيعي ورئيس البرلمان سني، ورئيس الجمهورية كردي!
إن اعتزام الحشد الشعبي تشكيل "قوة جوية" ليس بالغريب أو المستبعد؛ لأنه لطالما اعتبر نفسه رديفاً للجيش، أو باعتباره جيشاً موازياً ولكنه رديف طامع بالسلطة المطلقة. يُشاع أن الحشد يمتلك مئات الطائرات المسيرة المصنعة محليا، وربما ستكون روسيا من يزوده بالطائرات مستقبلاً، ولا تزال الضربات الجوية المتكررة على مقاره ومخازن عتاده وأسلحته أسراراً غامضة مثل الطلاسم، وهذه المليشيات هي: بدر وعصائب أهل الحق وحركة النجباء وكتائب حزب الله، والبالغ تعدادها 140 ألفاً، هي التي تطالب بإنشاء القوة الجوية. ولا يمكن أن يوجد جيشان في بلد واحد. ولكن في العراق يجوز كل شيء.
إن تشكيل هذه القوة الجوية ممكن حسب ما يتوقع الخبراء؛ لأن المطلب إيراني في الدرجة الأولى، ولن يجابه هذا القرار بأي معارضة من قبل القوى السياسية في العراق، لأن هذا الحشد ليس سوى ذراع إيرانية في المنطقة، ومهمته في الاستراتيجية الإيرانية غير مقتصرة على حدود العراق، بل سيمتد خارجه.
لا يختلف اثنان أن الحشد الشعبي أصبح كياناً عسكرياً مستقلاً يُفترض أن يتبع القائد العام للقوات المسلحة، وقد أخفق رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي بإدماج الحشد الشعبي داخل الجيش القوات الأمنية، وظل قراره حبراً على ورق، وقد أثار هذا الموضوع الأوساط السياسية بين مؤيد ومعارض، فيما التزمت الحكومة الصمت، وتنصلت عن قرارها أو سكتت عنه بعد أن ظهرت الضغوط الداخلية والخارجية إلى العلن.
في حقيقة الأمر، تبقى حالة العراق جامدة لا تعرف الاستقرار بسبب هذه "الفوضى الخلاقة"، التي خلقت من الدولة هيكلاً هشاً تتناهبه المليشيات من كل حدب وصوب، فيما تعتبر العراق حديقتها الخلفية ليكون ساحة حرب وصراع وتوتر، ولكن إلى متى؟ الوقت وحده قادر على الإجابة عن ذلك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة