موضوعان لافتان، ميزا خطاب حال الاتحاد الأول للرئيس الأمريكي، جو بايدن.
الأول، التركيز الكبير على الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وإظهار نفسه كقاهر "للديكتاتور بوتين" وأحلامه التوسعية في أوكرانيا. والثاني، خلو خطابه من أي إشارة إلى الصين، وإذا كان مفهوما حديثه المركز عن أوكرانيا، والهجوم على بوتين، كانا عبارة عن رسالة للداخل الأمريكي بهدف زيادة شعبيته بعد أن تراجعت بشكل غير مسبوق قبل أشهر من الانتخابات النصفية للكونجرس، فإن عدم حديثه عن الصين يثير أكثر من علامة استفهام، خاصة أنه بنى حملته الانتخابية على الصين ومحاربتها، في إطار ما تسميه مراكز الدراسات الأمريكية "تجميع القوى لمحاربة الصين".
من دون شك، خلو خطاب حال الاتحاد لبايدن من الإشارة إلى الصين، وهو الخطاب السنوي الذي يتم فيه عادة تحديد ملامح السياسة الأمريكية للسنة المقبلة، شكل رسالة أمريكية بالغة، مفادها، هل فهمت الإدارة الأمريكية الدرس الروسي في أوكرانيا ؟ وهل باتت تعتقد واشنطن أن ما قامت بها موسكو في أوكرانيا قد تكررها الصين في تايوان إذا استمرت واشنطن في دعمها لتايوان وشجعتها أكثر على التصعيد مع الصين ؟ سؤال، ربما يشير إلى وجود أزمة حقيقية في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الصين، فكل ما فعلتها الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية، من انسحاب من أفغانستان ، والترويج بأن السعي الحميم للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران هو لمحاصرة الصين، وخلق حالة قلق لحلفائها التقليدين، لاسيما دول الخليج العربي بعد أن تهاونت كثيرا مع مليشيا الحوثي، وصولا إلى ما يجري لأوكرانيا بعد أن أوحت لها واشنطن بالتصعيد مع موسكو وضمها لحلف الأطلسي ... كلها معطيات تشير إلى أن الاستراتيجية الأمريكية تجاه الصين تعاني من غياب رؤية واقعية، وتراهن على أوراق قد تجلب المزيد من الحروب والدمار للدول والشعوب، خاصة أن سلوك الولايات المتحدة في اللحظات الحرجة يتناقض مع خطابها المزعوم بالوقوف إلى جانب الحلفاء الذين تتركهم عادة أمام مصير مأساوي ومجهول.
في الواقع، لا يمكن القول إن غياب الصين عن خطاب بايدن، هو عودة إلى سياسة الغموض الاستراتيجي تجاه الصراع الصيني - التايواني، بقدر ما يمكن القول إنه استدراك أمريكي للدرس الروسي في أوكرانيا، وربما تبصر لما يمكن أن تقوم بها الصين في تايوان إذا واصلت واشنطن سياستها السابقة، وهي سياسة أرادت منها واشنطن تحقيق جملة أهداف، تتراوح بين تفجير العلاقة بين بكين وتاييبه، وبين أجبار الصين على التوافق معها في معركة الصراع الجاري بين القطبين على اقتصاد العالم وأمنه، ولعل ما يثير المزيد من الخوف والقلق لدى الجانب الأمريكي، هو قوة الصين، وموقعها، ورفضها القاطع لمحاولات دفع تايوان إلى الاستقلال عنها، وهذا ما عبر عنه بيان الخارجية الصينية ردا على زيارة وفد أمريكي إلى تايوان قبل أيام، عندما أكد بيانها أن الولايات المتحدة ستدفع ثمنا باهظا لدفع قوى الاستقلال في تايوان إلى الانفصال، وحذرت من التلويح الأمريكي بالردع العسكري، قائلة "إن تهديد ما يسمى بالردع العسكري سوف يتحول إلى نفايات حديدية عند مواجهة السور العظيم الحديدي المتكون من 1,4 مليار صيني".
من دون شك، لا تريد الصين الذهاب إلى الخيار العسكري مع تايوان إلا إذا اضطرتها الظروف لذلك، خاصة أنها تعتقد أن الخطوات الاقتصادية والسياسة والأمنية التي أتخذتها خلال العقود الماضية، كافية لتحقيق نظريتها القائلة "دولة واحدة ونظامان"، فيما الولايات المتحدة ترى أن نجاح الصين في استراتيجيتها السابقة تشكل انتصارا للصين وهزيمة لها، وفي العمق ترى أن هزيمة استراتيجيتها في تايوان ستكون بمثابة نهاية الإمبراطورية الأمريكية في مواجهة التنين الصيني. والسؤال هنا، هل ما يجري في أوكرانيا ينبغي ان يدفع دول العالم الكبرى إلى البحث عن آليات جديدة لإدارة الأزمات والصراعات الإقليمية ؟ إذا كان الجواب المختصر هو نعم، فإن غياب الصين عن خطاب حال الاتحاد لبايدن ينبغي أن يكون في هذا السياق، وليس حيلة من الثعلب الذي يتخفى وراء أي شيء لتحقيق أهدافه لو بعد حين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة