تغير المناخ.. عشب بري يحصن نبات القمح من الأمراض (حوار)
بينما يواجه العالم مشكلة "تغيرات المناخ"، يبرز تحدٍّ مهم للغاية، وهو كيف سيحافظ العالم على إمدادات سلاسل الغذاء.
ومن المتوقع أن تنال تلك التغيرات من إنتاجية المحاصيل، لا سيما الاستراتيجية منها، مثل القمح.
والمعروف أن صدأ الساق، وهو مرض خطير يهدد محصول القمح في جميع أنحاء العالم، سيصبح أكثر تفشيا في ظل السيناريوهات المستقبلية لتغير المناخ، وهو ما يفرض الاستعداد لمواجهته بحلول عملية، وقد وجد فريق بحثي من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، أحد هذه الحلول، عند التقليب في أوراق الماضي، عبر عشب بري يسمى "إيجيلوبس شارونينسيس".
ومنذ ملايين السنين ينمو هذا العشب البري في المنطقة التي تعرف الآن باسم فلسطين وجنوب لبنان، وهذا العشب يوصف بأنه أحد الأقارب البرية للقمح، وعند البحث في إمكانيته الوراثية، وجد الفريق البحثي الذي يقوده براندي فولف، أستاذ علوم النباتات المشارك بقسم العلوم والهندسة البيولوجية والبيئية بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بالسعودية (كاوست)، أنه يحمل جينات تعطيه مقاومة لأبرز أمراض القمح الرئيسية وهي صدأ الساق، ولكن كانت الإمكانيات الوراثية للنبات غير مستغلة.
وخلال دراسة نشرت مؤخرا في دورية "نيتشر كومينيكيشن"، نجح فولف ورفاقه في نقل الجين (Sr62) ، المسؤول عن الحماية من الصدأ، من عشب "إيجيلوبس شارونينسيس"إلى القمح، فكيف تحقق هذا الإنجاز؟.. وما الاختلاف بينه وبين محاولات بحثية أخرى؟.. ولماذا تم اختيار هذا العشب تحديدا؟.. هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها فولف في مقابلة خاصة مع "العين الإخبارية"..
قد يسأل سائل في البداية لماذا التركيز على صدأ ساق القمح؟
صدأ الساق هو مرض فطري مهم في محاصيل القمح في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن يصبح تفشي المرض أكثر شيوعا في ظل السيناريوهات المستقبلية لتغير المناخ، حيث تمثل درجة الحرارة العالية ظروفا مواتية لكي ينمو الفطر المسبب له.
ولماذا لا يصيب هذا الفطر الأقارب البرية للقمح، ومنها عشب "إيجيلوبس شارونينسيس"؟
هذا العشب الذي ينمو في أراض قاحلة شديدة الجفاف والحرارة، استطاع خلال ملايين السنين تكوين مقاومة فطرية تجاه مسببات الأمراض التي تصيب المحاصيل الزراعية الأخرى، ومن ثم كانت فكرتنا هي الاستفادة من هذه الميزة لمواجهة هذا المرض الذي من المرجح أن يزيد خلال السنوات المقبلة بسبب تغيرات المناخ.
ما الفرق بين ما توصلتم إليه، وأبحاث أخرى أجراها المركز الدولي للأبحاث في المناطق الجافة (إيكاردا)، وتوصلت أيضا إلى نقل الجينات المقاومة للصدأ من أصناف القمح البري؟
يتمثل الاختلاف الأساسي في النهج الذي نستخدمه، مقارنة بالتهجين التقليدي المستخدم في الإيكاردا، فالإيكاردا تستخدام برامج تقليدية للتربية تعتمد على التهجين مع الأقارب البرية للقمح وغيرها بحثا عن مصادر جديدة للمقاومة، وهذه الطريقة التقليدية قد لا تجعل الباحثين قادرين على تحديد جين المقاومة بدقة.
وهل طريقتكم قادرة على تحديد الجين بدقة؟
بالضبط، وهذا ما يميزنا، فنحن نستنسخ (نحدد جزئيا) جينات مقاومة الصدأ، ومع الجينات المستنسخة، أصبح من الممكن الآن، وبشكل مباشر، إدخال جينات مقاومة متعددة كهرم في جينوم القمح، وسيكون من الصعب على العامل الممرض التغلب على جينات المقاومة المتعددة، وبالتالي توفير مقاومة أكثر ديمومة. علاوة على ذلك، من الممكن إدخال جميع الجينات في مكان واحد في الجينوم، وهذا يسهل على المربي نقل جميع جينات المقاومة من صنف واحد إلى صنف جديد ومحسن، وفي الواقع، فإن وجود كل جينات المقاومة في مكان واحد في الجينوم يضمن بقاءها معا أثناء عملية التكاثر، وهذا يمنع انفصال الجينات المفردة عن الهرم وتعرضها للعوامل الممرضة، مما يزيد من خطر التغلب على هذه الجينات وبالتالي تآكل الهرم الجيني.
أيفهم من ذلك أنكم تستخدمون أكثر من جين لمقاومة الصدأ، وليس جينا واحدا؟
توجد جينات أخرى لمقاومة الصدأ تم نقلها من أصناف برية أخرى، ولكننا في "كاوست" عملنا على الجين (Sr62) الموجود في عشب "إيجيلوبس شارونينسيس"، والفكرة أننا سنتعاون مع آخرين في تجميع هذه الجينات كهرم في جينوم القمح.
وكم عدد الجينات التي تم تحديدها حتى الآن؟
تم تحديد 58 جينا مقاوما لصدأ الساق في القمح، حتى الآن، وتم إدخال نصفها تقريبا من الأنواع البرية والمستأنسة من القمح والحبوب الأخرى، وعشب "إيجيلوبس شارونينسيس"، الذي استخدم في دراستنا الجديدة، ونجاحنا في استنساخ جين مقاومة للصدأ من هذا العشب، يجعل هناك إمكانية وبصورة مباشرة في إدخال أكثر من جين مقاوم كهرم في جينوم القمح، وهو ما نقوم به حاليا بالتعاون مع الباحث ميك أليف من هيئة البحوث الأسترالية، حيث سنعمل مع فريقه على دمج الجين ( Sr62) في أحدث مجموعاته الجينية، ومن المحتمل أن يكون أحد الجينات المهمة في الهرم الجيني، لأنه يمنح مقاومة واسعة النطاق ضد مسببات صدأ الساق.
هل اتخذتم خطوات نحو إنتاج أصناف من القمح مقاومة للصدأ، أم أنكم لم تغادروا حتى الآن نطاق المختبر؟
كما قلت لك سابقا، فإننا، جعلنا جين مقاومة الصدأ (Sr62) المعزول من عشب "إيجيلوبس شارونينسيس" متاحا لزميلنا الباحث ميك أليف من هيئة البحوث الأسترالية، حتى يتمكن مع فريقه البحثي من البدء في دمجه على الفور في أحدث مجموعاته الجينية، ومن المحتمل أن يكون الجين (Sr62) جينا جيدا في الهرم الجيني، لأنه يمنح مقاومة واسعة النطاق ضد مسببات صدأ الساق.
وهل ستكون الاستفادة من هذا الإنجاز مقصورة على زميلكم ميك أليف، من هيئة البحوث الأسترالية؟
جاءت أبحاتنا لعزل الجين (Sr62) كجزء من تمويل مؤسسة (Blades 2)، وهي منظمة خيرية مقرها الولايات المتحدة الأمريكية، وتهدف إلى تطوير حلول وراثية للأمراض الرئيسية لمحاصيلنا الرئيسية، وقد تقدمت المؤسسة بطلب للحصول على براءة اختراع تخص هذا الجين (Sr62)، وأنا على ثقة من أنها ستجعل الجين متاحا لأولئك الذين سيستخدمونه بشكل مسؤول، أي كجزء من مجموعة متعددة الجينات من شأنها تعزيز طول عمره.
aXA6IDE4LjIyMS42OC4xOTYg جزيرة ام اند امز