بعد أن تسببت إسرائيل في إشعال أزمة إقليمية جديدة تغطي بها على ممارساتها الوحشية ضد المدنيين في قطاع غزة، تشهد منطقة الشرق الأوسط حالة توتر شديد وترقب لما قد تقدم عليه إيران انتقاماً من اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس فوق أراضيها.
وعلى التوازي، تستمر المناوشات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني. وهو ما يثير قلقاً شديداً من انفلات الموقف ونشوب حرب بين إسرائيل ومعسكر إيران وحلفائها.
وبعد أن كانت نذر الخطر تصدر طوال الأشهر العشرة الماضية من جانب إسرائيل بسبب حرص رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو على تمديد الحرب لأطول فترة ممكنة حفاظاً على حكومته الهشة، أصبحت الكرة الآن في ملعب إيران. فإذا بادرت إلى انتقام قوي وواسع لاغتيال إسماعيل هنية، تكون قدمت لنتنياهو هدية غالية تبقيه في السلطة تحت عنوان محاربة إرهاب المعسكر الإيراني. وإذا لم تنتقم أو جاء ردها هادئاً ومحدوداً، ستفقد سمعتها وتفقد كثيراً من مكانتها الإقليمية التي تبنيها منذ عقود تحت شعار "الموت لإسرائيل" والدفاع عن فلسطين.
هذه هي الحسابات المربكة التي تدور حالياً في أروقة القرار الإيراني. وقد ظهرت إشارات واضحة على هذا الارتباك والتردد، بالتصريحات الرسمية المتشددة والعصبية فور اغتيال هنية، مقابل الهدوء والعقلانية التي بدأت تتسلل إلى الخطاب الرسمي منذ أيام، بما فيها الحليف الروسي الذي يبدو أنه لا يفضل الرد لحسابات انتخابية للداخل الأمريكي. حتى إن زعيم حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، أحد أبرز حلفاء إيران وأهم أذرعها الخارجية، ألمح إلى أن العمل الانتقامي ليس بالضرورة أن يكون مشتركاً بين إيران والحزب.
كل ذلك، لا يعني ذلك أن إيران حسمت أمرها واختارت عدم الرد أو توخي العقلانية، لكنها ربما تبحث عن سيناريو مناسب للخروج بأفضل صورة من المأزق الحالي. فالحسابات البراغماتية المعروفة عن النظام الإيراني، تجعلنا نرجح اختيارها تجنب الحرب، لكنها أيضاً نفس الحسابات التي تجعل طهران تحدد أثماناً باهظة لعدم تفجير المنطقة وإشعال حرب إقليمية وتحديداً مع الأمريكان.
ومن المواقف المهمة في الأيام الماضية، إعلان إيران أن التحرك الانتقامي لاغتيال هنية، ليس مرتبطاً بوقف إطلاق النار في غزة. وكما يعني ذلك أنها ستقوم بعمل انتقامي خاصة بعد أن أعلن المرشد الأعلى على خامنئي "الرد واجب" حتى لو تم التوصل إلى اتفاق في غزة، فهو يعني أن الخطوة الإيرانية المنتظرة وحدوها لن تتأثر بعدم إبرام اتفاق بين حماس وإسرائيل. وهي من المرات النادرة التي تكشف فيها طهران بوضوح ودون مواربة، أن حساباتها ذاتية وتقديراتها مصلحية وغير مقيدة بما تدعيه دائماً من التزام مبدئي بالقضية الفلسطينية.
هناك أبعاد أخرى للوضع الإقليمي المتوتر حالياً، فاندلاع حرب إقليمية يعني مباشرة تورط الولايات المتحدة الأمريكية دفاعاً عن إسرائيل، وتورط أطراف إقليمية أخرى موالية لإيران. ومفاد ذلك أن الشرق الأوسط سيكون محور اهتمام الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
وفي المقابل فإن كلاً من إيران وإسرائيل تضعان في حساباتهما الحالية ما سيؤول إليه الوضع الإقليمي في المستقبل القريب، سواء من زاوية طبيعة من سيدخل البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني المقبل وتوجهاته تجاه كل من تل أبيب وطهران، أو من زاوية الرغبة في وضع أسس وقواعد العلاقة مع واشنطن في عهد الرئيس المقبل، سواء كان دونالد ترامب أو كامالا هاريس.
وأمام تعدد وتداخل حسابات طهران وتل أبيب وكذلك واشنطن، ستظل منطقة الشرق الأوسط في حالة توتر وعدم استقرار. وسواء استمر نتنياهو في منصبه أو سقطت حكومته، فإن الشد والجذب والمناوشات مع طهران ستستمر وربما تتخذ أشكالاً أكثر حدة، حتى بعد الرد الإيراني على اغتيال هنية.
بالتالي فإن كل الاحتمالات مفتوحة في مستقبل الوضع الإقليمي، خصوصاً إذا سعت طهران إلى لعب دور ما في مستقبل القضية الفلسطينية، كمقابل استراتيجي للتجاوز عن الصفعات المتتالية التي تتلقاها من إسرائيل وواشنطن. وحدود ما ستسمح واشنطن بتقديمه من مكاسب وحوافز لتهدئة إيران وترضية إسرائيل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة