إن الاهتمام الكبير وشبه الدائم بالانتخابات الرئاسية الأمريكية أمرٌ لابد منه، فالولايات المتحدة الأمريكية أقوى دولة في العالم، وتقدم نفسها دوماً على أنها القائد الأوحد لما تسميه واشنطن بـ"العالم الحر".
لكن المستجد الآن يفرض نفسه في منطقة الشرق الأوسط، في ظل الحرب المستمرة في قطاع غزة، وتحريك إيران لأدواتها المسلحة في اليمن والعراق ولبنان.
ولا يستطيع المرء إلا أن يربط ذلك كله بأمريكا، الدولة التي تتواجد عسكرياً في أماكن متعددة، وتمسك بمفاتيح مجلس الأمن الدولي، وتتقن لعبة ازدواجية المعايير حيال القضايا الإقليمية والدولية، وشخص الرئيس الذي يحكمها الآن مستقبلاً مهمٌ جداً، أياً كان الحزب الذي ينتمي له، جمهورياً أو ديمقراطياً.
وفوز الرئيس السابق دونالد ترامب بالانتخابات التمهيدية داخل الحزب الجمهوري في ولاية أيوا المهمة قبل أيام، من أجل إكمال طريقه بغية الحصول على الورقة الجمهورية التي تتيح له الترشح رسمياً لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في انتخابات نوفمبر من العام الجاري فوزٌ مهم، جعل منافسه المحتمل الرئيس الحالي جو بايدن يعترف بأن ترامب هو "الخصم الرسمي المنتظر".
وبالعودة إلى نكبة غزة الجديدة وعدوان إسرائيل وما نتج عن هذا الصراع، لابد من تبيان مسألة في غاية الأهمية، ألا وهي الحيز المتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية التي تشغل بال الناخب الأمريكي، فعلى الرغم من محدودية مساحة التفكير السياسي الخارجي للناخبين الأمريكيين، إلا أن عالم التواصل الاجتماعي الجديد، بات يؤثر في مزاج الناخب، ويجعله أمام هيبة وسمعة ومصالح أمريكا وهو يهم بانتخاب مرشحه المفضل.
ولأن أمريكا لا تشبه غيرها من الدول في حيثيات السياسة والانتخاب، كون اللوبيات المتنفذة" هناك، تفرض على صناع القرار ما تريد، وتلك اللوبيات خليط من رجال المال والأعمال وملاك شركات السلاح والطاقة والإعلام، فضلاً عن اللوبي الأشهر (إيباك) الذي يمتلك موارد هائلة ترجح كفة المرشحين عند اللزوم.
والأسوأ من ذلك، هو نظرة الحلفاء هذه الأيام لأمريكا، فالرئيس جو بايدن أدمن كما عرابه "أوباما" من قبل السير في طريق استعداء الحلفاء واسترضاء الأعداء، كما يقول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب شهير له، بعيد أزمة الغواصات النووية الأسترالية، وما حدث بين باريس وواشنطن قبل سنوات.
أما دول الخليج العربي، وهي الدول الأهم عربياً إلى جانب مصر والأردن والمغرب، فقد خبرت ماهية السياسة الأمريكية الخاصة بالرئيس بايدن، وفي جعبة هذه الدول الكثير من الملاحظات والخلافات مع الجانب الأمريكي، نتيجة سياسة خاطئة في التعامل مع ملفات ساخنة، تبدأ بالقضية الفلسطينية واليمنية والسورية، و لا تنتهي عند العراق والسودان وحتى الصراع في أوكرانيا.
الدول العربية الخليجية وفي مقدمتها السعودية ودولة الإمارات، تريد من أمريكا أن تكون شريكة في الاستقرار والسلام والحوار البناء، وليس بمنطق الصفقات السرية والاتفاقيات المشؤومة على غرار ما فعله "أوباما سيئ الذكر" مع إيران، حين أبرم معها الاتفاق النووي عام 2015، دون أن تأخذ أمريكا بعين الاعتبار مصالحها المشتركة والكبيرة مع دول المنطقة.
ولم يكن أداء الرئيس السابق ترامب بالمثالي خلال ولايته، لكنه كان أكثر دبلوماسية في التعاطي مع الملفات العربية، وكان يفسح المجال أمام وزير خارجيته الشهير مايك بومبيو للنقاش واتخاذ القرار والتفاهم مع نظرائه العرب، لاسيما الخليجيين منهم.
وختم ترامب ولايته بقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي عاث فساداً وقتلاً في المنطقة، ووضع مليشيات الحوثي على قوائم الإرهاب، لكن سرعان ما دشن بايدن عهده في البيت الأبيض بإزالة الحوثيين من تلك القائمة، ليرجع إلى وصفهم بالإرهاب قبل أيام، بل ويقصفهم في عقر دارهم، بعد تماديهم المستمر في قرصنة السفن التجارية بمضيق باب المندب.
والذين فرحوا بقدوم بايدن رئيساً قبل سنوات من الإخونجية وأتباع إيران، وألصقوا بترامب كل صورة سيئة، ها هم اليوم يقعون بشر أعمالهم في ظل دعم الحزب الديمقراطي الأمريكي غير المحدود لإسرائيل، وإصرار البعثة الأمريكية في مجلس الأمن على إسقاط أي قرار يدعو بصيغته الأولية لوقف إطلاق النار في غزة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة