أول رئيسة لأمريكا؟.. فوز هاريس قد يكسر «حاجز النوع»
خلال حملتها لم تركز هاريس على نوعها أو هويتها المختلطة، فهي مثلها مثل أي قيادة نسائية تريد أن يُنظر إليها بوصفها زعيمة تصادف أنها امرأة.
ورغم أن 40% من الدول حظيت بزعيمة امرأة فإن وصول نائبة الرئيس الأمريكي والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس لحكم واحدة من أقوى دول العالم من شأنه أن يرسل رسالة مدوية عبر العالم، وفقا لما ذكرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.
وأظهر مؤشر المعايير الاجتماعية الجنسانية لعام 2023، التابع للأمم المتحدة أن 49% من الناس حول العالم يعتقدون أن الرجال يشكلون قادة سياسيين أفضل من النساء، لذا ستكون رئاسة هاريس فرصة لوضع حد لهذا التحيز المستمر وإعطاء النساء والفتيات في كل مكان الثقة في قدرتهن أيضا على الترشح والفوز بمناصب عليا.
والرسالة التي قد يرسلها فوز هاريس ستكون أكثر صدى في هذه المرحلة الوجودية في تاريخ الولايات المتحدة والعالم، حيث يواجه الأمريكيون خيارا صعبا بين هاريس وخصمها الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب.
وبصفتها رئيسة تنفيذية لقوة عظمى، ستكون هاريس قادرة أيضا على إسكات الشكوك المتبقية حول قدرة النساء لاتخاذ قرارات الحرب والسلام.
ووفقا لاستطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث في عام 2018، يرى 35% من الأمريكيين أن الرجال أفضل في التعامل مع حقيبة الأمن والدفاع من النساء، مقارنة بنحو 6% اعتقدوا أن النساء أفضل من الرجال وهو الاعتقاد الذي يمكن أن تنسفه رئاسة هاريس.
فمن لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ إلى غرفة العمليات في البيت الأبيض، تعرف هاريس جيدا التفاصيل السرية للغاية للتهديدات الأمنية الوطنية والبرامج المصممة لمعالجتها، كما شملت حقيبتها نائبة للرئيس سياسة الفضاء، والذكاء الاصطناعي، والتحديات الإقليمية في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية.
وبعبارة أخرى، منحت السنوات الأربع الماضية هاريس فهما أكبر للمخاوف العالمية مقارنة بأغلب الرؤساء القادمين، كما أنها أظهرت الصفات الأساسية لاتخاذ القرارات الفعالة في الأزمات، بما في ذلك المزاج الحكيم والنهج المنهجي في البحث عن الأدلة، وتحدي الحجج، والنظر في المخاطر، ووزن الخيارات.
إن تحدي الصور النمطية وإلهام جيل جديد من القيادات النسائية سيكون من الإنجازات المهمة لرئاسة هاريس، لكن إدارتها يمكن أن تفعل أكثر من ذلك فيمكنها استخدام خبرتها وهويتها لتعزيز السلام والازدهار في وقت مضطرب، كما يمكنها تبني نهج للشؤون العالمية يوسع التحالفات، ويحتضن إصلاح الحكم العالمي لتسخير الإمكانات غير المستغلة لنصف الكوكب.
وغالبا ما تحظى القضايا التي تُصنف كقضايا نسائية مثل الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع باهتمام أقل، وبالتالي فإن جعلها جزءا أساسيا من السياسة يمكن أن يقطع شوطًا طويلاً نحو معالجة العديد من المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة وحول العالم.
أوكرانيا
وخلال رئاستها قد تتجاوز هاريس الرئيس جو بايدن، وتتخذ الإجراء الأسرع والأكثر جرأة الذي كانت أوكرانيا تلح في طلبه، وترفع القيود على استخدام أوكرانيا للأسلحة الأمريكية.
إن فوز هاريس واستمرارها في مسار دعم أوكرانيا يعني أنها ستفعل ذلك سعياً وراء المصالح الأمريكية، وليس لأنها "سيدة حديدية" تحتاج إلى إسكات الشكوك حول قوة رئيسة امرأة.
الصين
ومن بين الملفات الأكثر تحديا تأتي إدارة المنافسة مع الصين، وستكون هاريس في وضع جيد خلال رئاستها لتحقيق التوازن بين النهج الحالي، الذي يعتمد بشكل كبير على القوة الصارمة الأمريكية، مع التركيز بشكل أكبر على تعزيز التحالفات والشراكات الأمريكية في المنطقة وتقديم بديل للنفوذ الاقتصادي والتكنولوجي والسياسي الصيني في جميع أنحاء العالم.
ويمكن للرئيسة هاريس أن تعيد تعريف السياسة الخارجية للولايات المتحدة من حيث الأمن البشري، ومعالجة المحركات المترابطة لتغير المناخ، والنزوح، والمجاعة، والحرب في وقت تاريخي وهذا من شأنه أن يبني على المبادرات التي أشرفت عليها بوصفها نائبة للرئيس.
قضايا المرأة
وبدلاً من التعامل مع قضايا المرأة باعتبارها ملاحق لأي سياسة حكومية قد تتمكن إدارة هاريس أخيراً من الاعتراف بأهمية هذه القضايا في معالجة المشكلات العالمية، وبما أن النساء والفتيات يمثلن أكثر من نصف سكان العالم، فإن الفوائد الأوسع نطاقاً المترتبة على النهوض بهن يجب أن تكون واضحة.
ودائما ما أظهرت هاريس أنها تفكر بهذه الطريقة حيث أعلنت في خطاب ألقته في الأمم المتحدة في بداية توليها منصب نائب الرئيس أن "وضع المرأة هو وضع الديمقراطية".
ولن تفيد السياسات العملية لسد الفجوة بين الجنسين النساء والفتيات فحسب، بل أيضاً المجتمعات بأكملها، وتشير تقديرات تقرير البنك الدولي "المرأة والأعمال والقانون 2024" إلى أن خلق فرص متساوية لتوظيف النساء وريادة الأعمال من شأنه أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأكثر من 20% ويضاعف معدل النمو الاقتصادي العالمي خلال العقد المقبل.
ويمكن أن يؤدي الاستثمار في صحة المرأة إلى تحقيق أرباح اقتصادية أوسع حيث أظهرت دراسة أجراها معهد ماكينزي للصحة هذا العام، أن كل دولار يُستثمر في تحسين الرعاية الصحية للنساء من شأنه أن يترجم إلى 3 دولارات إضافية في الناتج الاقتصادي، وهو ما يضيف تريليون دولار سنويا إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وكانت هاريس في طليعة السياسيات المحليات في هذا المجال بصفتها نائبة للرئيس، حيث قادت جهود إدارة بايدن لاستعادة الحق في الإجهاض.
ومن خلال معالجة احتياجات المرأة في الداخل مثل العمل لمنح النساء إجازة رعاية طفل، يمكن لهاريس أن تضع الولايات المتحدة في موقف أقوى بكثير للدفاع عن حقوق المرأة على مستوى العالم.
وفي وقت مبكر من حياتها المهنية القانونية، تخصصت هاريس في مقاضاة العنف القائم على النوع الاجتماعي والجرائم الجنسية، بما في ذلك الجرائم ضد الأطفال، مما منحها خبرة وسلطة في هذه القضايا.
وتعد معالجة الحد من العنف ضد المرأة في الفضاء الرقمي جزءا عاجلا من جهود مواجهة العنف ضد المرأة، خاصة أن الذكاء الاصطناعي يعمل على تفاقم المشاكل القائمة حيث تعاني النساء والفتيات من التحرش والمطاردة والتشهير والابتزاز الجنسي وانتحال الشخصية والتهديدات عبر الإنترنت مما يؤدي إلى العنف الجسدي أو الاكتئاب أو الانتحار.
وخلال ترشحها للانتخابات التمهيدية الديمقراطية في 2020، واجهت هاريس هذه المشكلة بشكل مباشر كموضوع لهجمات عبر الإنترنت أكثر من أي سياسي أمريكي آخر في ذلك الوقت وقادت جهود إدارة بايدن لتطوير إرشادات للذكاء الاصطناعي الآمن والمسؤول وحصلت على التزامات طوعية من مطوري الذكاء الاصطناعي لمنع الاعتداء الجنسي.
كانت الرسالة المركزية لحملة هاريس هي تعهدها بحكم جميع الأمريكيين في محاولة لعلاج الانقسامات في البلاد، وهو التزام يتضمن تدابير لمعالجة احتياجات النساء والفتيات، لكن لا بد وأن يتصدى أيضا للاعتقاد المتزايد بين الشباب بأن المساواة بين الجنسين تشكل تمييزا ضدهم.
وبصفتها رئيسة، ستحتاج هاريس إلى إقناع الجيل القادم بأن التقدم ليس لعبة محصلتها صفر، وقد يتحقق ذلك من خلال مقترحاتها لتوفير الفرص الاقتصادية للجميع من خلال تدابير لخفض التضخم، ومعالجة نقص المساكن، ودعم تشكيل الشركات الصغيرة.
لقد ذكّرت هاريس الأمريكيين بأن ما يوحدهم أكثر مما يفرقهم وقالت في مناظرتها الوحيدة مع ترامب "نحن جميعا لدينا نفس الأحلام والتطلعات، ونريد رئيسا يستثمر فيها، وليس في الكراهية والانقسام".
لن تكون هاريس رئيسة بلا عيوب فمن المؤكد أنها سترتكب أخطاء مثل أي رئيس، لكنها ستكسر معايير النوع الاجتماعي لمجرد كونها زعيمة عادية، بحسب "فورين أفيرز".