عودة الروح إلى أشهر أجراس فرنسا
ورشة حرفية تتولى إصلاح ما كُسر أو تعطّل من الأجراس القديمة، لتبقى شاهداً حيّاً على تاريخ عريق حافل بالأحداث في فرنسا.
تُقرع في فرنسا يومياً آلاف الأجراس القديمة، التي يعود بعضها إلى القرون الوسطى، معلنة عن المناسبات الدينية والاجتماعية، ومشكّلة جزءاً من المشهد التراثي والتاريخي في هذا البلد.
وتتولى ورشة حرفية إصلاح ما كُسر أو تعطّل من هذه الأجراس القديمة، لتبقى شاهداً حيّاً على تاريخ عريق حافل بالأحداث.
وينكبّ العاملون في مؤسسة "بوديه" على تقديم العناية لما يحتاج لترميم من هذه الأجراس القديمة الثقيلة، ويتعاملون معها كما لو أنها أرواح حيّة أعياها الزمن.
ومن العبارات التي تتردّد في الورشة: "هذا الجرس أذنه مكسورة"، و"هذا رأسه مشعور"، وذلك "صوته مُتعب".
ويقول جان لوك فيران، المدير العام للورشة: "هذه الأجراس تقوم بالحركة نفسها عقوداً تلو الأخرى، لذا تتآكل وتفقد رنّة صوتها".
ويضيف: "يقوم عملنا على أن نعيد لها مظهرها الأول وصوتها الأصلي"، الذي كانت تصدح به منذ عقود وقرون فوق الكنائس والأبراج والجبال.
ويشير إلى واحد من هذه الأجراس البالغ وزنها 750 كيلو جراما، ويقول: "لقد فقد أذنه".
وبعد أسابيع من العناية، استعادت 3 أجراس قديمة تحمل اسماء "ماري جوزفين ومارجريت وفيوليت" صوتها الأول، بفضل مهارة العاملين في هذا المشغل، وطريقة خاصة في العمل نال عنها المَشغل براءة اختراع في العام 1991.
وفي إحدى زوايا الورشة، ينتظر الجرس "ميلاني مورنيلي"، المصنوع في العام 1890، دوره للعلاج، وهو يخضع لفحص لكشف الشقوق فيه، وإلى جانبه جرس آخر يخضع لتصليحات في جوفه.
ويقول فيران: "في المرحلة الأولى، ننزع الطبقة المتضررة لتبقى الطبقة المعدنية السليمة".
بعد ذلك يوضع في الفرن في درجات حرارة تصل إلى بضع مئات من الدرجات، لكن الأمر دقيق جداً، فأي ارتفاع إضافي في الدرجات من شأنه أن يذيب الجرس.
أما باقي التفاصيل المتعلقّة بالترميم والإصلاح، فلا يكشف المشغل عنها على اعتبار أنها من أسرار المهنة.
شباب جديد
بعد ذلك، يكون أمام الحرفيّ 45 دقيقة فقط للقيام بعمله قبل أن يبرد المعدن، ثم يتعيّن عليه العمل على أن يأخذ الجرس شكله الصحيح من حيث الانحناءات والنقوش، ومن ثمّ صقله ليستعيد بريقه.
ويتطلب العمل في الجرس الواحد أسبوعين على الأقل، ويتولّى العمال الـ120 في المشغل إصلاح الساعات الميكانيكية أيضاً.
وقد أتمّ الورشة حتى الآن إصلاح أكثر من 1100 جرس منذ العام 1991، تزن ما بين 200 كيلوجرام وأطنان عدة، ومنها ما يعود إلى مئات السنين، وصولا إلى القرون الوسطى.
ويقول تانجي، أحد عمال الورشة، البالغ عمره 39 عاماً: "نظراً للحال التي تكون عليها الأجراس، نحن فخورون بأننا نعطيها شباباً جديداً".
ويرتفع على الأبراج والكنائس والمرتفعات في فرنسا 150 ألف جرس، تشكّل مشهداً موسيقياً وفنياً فريداً من نوعه، وتحمل في ترددات أصواتها عبق التاريخ.
ودمّرت الحرب العالمية الثانية عدداً كبيراً من الأجراس، فلم يبق سوى بضعة آلاف منها تعود إلى 3 قرون أو أكثر.
ويقول فيران: "حين نقرأ أسماء العائلات على الأجراس، نتمكن من تتبع تاريخها"، ومنها جرس صنع في العام 1239، ورُمم في العام 2000، وهو أقدم أجراس فرنسا.
ويضيف: "هذا التراث قيّم وينبغي أن نحافظ عليه.. وإذا كان الفرنسيون أقل إقبالا على الممارسات الدينية، لكنهم أكثر تعلّقا بالمشهد الصوتي لبلدهم، الذي يعطيهم إيقاعا لحياتهم اليومية".
aXA6IDMuMTM4LjEyMS43OSA= جزيرة ام اند امز