مواجهة عودة الفقر العالمي.. هل البنك الدولي بحاجة لـ«إعادة تشغيل»؟
رأى تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" أن البنك الدولي في حاجة إلى "إعادة التشغيل"، في إشارة من المجلة الأمريكية إلى ضرورة تجاوب المؤسسة الإنمائية الحيوية مع الارتفاع المتوقع في معدلات الفقر والتفاوت في الدخل على مستوى العالم مرة أخرى.
وأنشئ البنك الدولي في عام 1944 لتمويل إعادة الإعمار والتنمية بعد الحرب العالمية الثانية، ليصبح أكبر هيئة عامة دولية على الإطلاق، وبحلول عام 1973 عندما تراجعت الحاجة إلى إعادة الإعمار وانضمت العديد من البلدان المستقلة حديثاً إلى عضوية البنك، حدد روبرت ماكنمارا رئيس البنك الدولي الأسبق أهداف البنك المعدلة.
هدف البنك الجديد
ووفقا لتقرير "فورين بوليسي" كان هدف البنك تسريع النمو الاقتصادي والحد من الفقر، وفي مقر البنك في واشنطن نُقش هذا الهدف على جدار بهو المدخل لكي يراه الجميع "حلمنا هو عالم خال من الفقر". وتنفيذاً لهذا الهدف حدد البنك الدولي في تقدير سنوي عدد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 2.15 دولار في اليوم، وهو المبلغ الذي يعتبر ضرورياً لتجنب الجوع.
لكن حتى وفقاً لهذا المقياس كان البنك فاشلاً قبل عام 1990 مع بلوغ عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع ذروته في عام 1980، ثم استقر المعدل مع أوائل تسعينيات القرن العشرين.
المليار الأدنى
ونجحت الصين والهند منذ عام 1990 في انتشال ملايين عديدة من الناس من براثن الفقر بشكل كبير، ولكن ذلك كان راجعاً إلى الإصلاحات الداخلية التي فتحت اقتصاديهما للتجارة، ولم يكن ذلك عائداً إلى المساعدات الضئيلة التي قدمها البنك الدولي إلى هذه البلدان، التي ذهبت بشكل غير متناسب إلى أفريقيا.
وفي حين لا يستطيع البنك أن يدعي الفضل في نجاحات الصين والهند، فإنه يتعين عليه أن يقبل المسؤولية عن الإخفاقات في أفريقيا، ومع ذلك كان البنك وقيادته مترددين في مواجهة إخفاقاتهم أو استخلاص العواقب منها.
وعندما عمل لأول مرة على مشكلة التباعد العالمي في عام 2003 وجد أن هناك مشكلة أخرى داخل هذه المشكلة لم تكن ملحوظة في ذلك الوقت، وكانت مجموعة من 60 دولة فقيرة تتركز في أفريقيا وآسيا الوسطى ولكنها تمتلك جيوباً في أماكن أخرى، لم تتمكن من إطلاق مسارها للنمو الاقتصادي، وبدأت تتخلف تدريجياً عن بقية الدول.
وكان عدد سكان هذه الدول نحو مليار نسمة -وقد أطلقت عليها وصف "المليار الأدنى"، كانت الصين والهند في البداية أفقر كثيراً من أغلب هذه الدول، ولكن منذ ثمانينيات القرن العشرين بدأت الصين تنمو بسرعة، ومنذ تسعينيات القرن العشرين بدأت الهند وأمريكا اللاتينية في الانطلاق أيضاً.
المناطق الثلاث
وكان نمو هذه المناطق سبباً في انخفاض الفقر العالمي، سواء كنسبة من إجمالي سكان العالم أو كأرقام مطلقة، وربما للمرة الأولى في تاريخ البشرية، ولكن هذا النجاح لم يمتد إلى المليار الأدنى.
وقد استمر تباعد المليار الأدنى دخلاً حتى عام 2003 عندما بدأت أسعار الموارد الطبيعية في السوق العالمية طفرة استمرت لعقد من الزمان، وأصبح استغلال وتصدير مواردهم الطبيعية الشكل السائد لمشاركتهم في الاقتصاد الدولي، وبالتالي تعزز إلى حد ما دخلهم.
وكان هذا عقدهم الذهبي، واستمر حتى عام 2014، عندما انهارت أسعار السلع الأساسية، ومنذ ذلك الحين كانت الأسعار متقلبة للغاية.
وبعد عام 2014 دخل الاقتصاد العالمي فترة تُعرف باسم "الوضع الطبيعي الجديد"، وهو مصطلح صاغه الخبير الاقتصادي محمد العريان.
وبالنسبة للمليار الأدنى دخلاً بدا الوضع الطبيعي الجديد مشابهاً جداً للوضع الطبيعي القديم، تلك الفترة الطويلة حتى العقد الذهبي الذي تخلفوا فيه عن الركب.
وإذا استمر هذا الاتجاه فسوف يعود عدد الفقراء على مستوى العالم قريبا إلى مسيرته الصاعدة القاتمة التي سبقت عام 1990 وبدءا من عام 2035 سوف يزداد عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت عتبة الفقر التي حددها البنك الدولي عند 2.15 دولار للفرد بلا هوادة.
ونظرا لمهمة البنك الدولي فإن احتمال ارتفاع معدلات الفقر في تلك المناطق التي ركز عليها لفترة طويلة على وجه التحديد ينبغي أن يحفز البنك على التحرك.
وهناك الكثير من الأسباب التي تدعو إلى التشكيك في هذه التوقعات، ولكن يمكن استكمال الاتجاهات المتوقعة بالأدلة على التغيرات في الثروة الوطنية للفرد، بما في ذلك الأصول الخاصة مثل المنازل والأصول العامة مثل البنية الأساسية.
في كل من الوضع الطبيعي القديم والوضع الطبيعي الجديد، ظلت الأصول القليلة للمليار الأدنى ثابتة فعلياً، في حين نمت أصول الفرد في الأسواق الناشئة بسرعة، بنسبة 3% أو أكثر كل عام، كما نمت أصول المليار المحظوظ الذين يعيشون في العالم المتقدم بشكل مريح، بنحو 2% سنوياً.
الناس في المليار الأدنى فقراً أشد فقراً من بقية البشرية. وبحلول عام 2020 بلغ متوسط نصيب الفرد من أصول المليار المحظوظ نصف مليون دولار، وقفز متوسط الأسواق الناشئة إلى 85 ألف دولار، وكان في طريقه إلى اللحاق بالمليار المحظوظ في غضون جيل واحد، ولكن الناس في المليار الأدنى لديهم أقل من واحد على ثلاثين من أصول المليار المحظوظ، وأصول المليار المحظوظ تنمو ببطء فقط.
وعلى الرغم من أن هذه المناطق كانت تهيمن في عام 1990 على الإحصاءات المتعلقة بالفقر العالمي، فإنها أصبحت الآن مفضلة لدى المستثمرين باعتبارها أسواقاً ناشئة، وبحلول عام 2035 سوف تصبح مشاكل الجوع الجماعي التي تعاني منها هذه المناطق شيئاً من الماضي.