العالم يخشى من «مصيدة ديون عميقة».. الأزمة قادمة بعنف
تعيش مؤسسات العالم الحكومية الآن حالة من القلق المتصاعد حول الاستقرار المالي العالمي بالتزامن مع الارتفاع القياسي للديون.
يأتي ذلك وسط توقعات مستمرة لدى الخبراء والمحللين بمزيد من الارتفاع في معدلات الفائدة، وقد أسهم ارتفاع تكاليف الاقتراض الحكومية في إعادة القلق بشأن ظهور أزمة مالية طاحنة يعاني منها الاقتصاد العالمي مجددا.
وضمن هذا التقرير نستعرض عمق مصيدة الديون التي تعاني دول العالم المستدينة الآن من الوقوع بها، حسب أحدث ما نشر من بيانات وأرقام وإحصائيات.
معدل ارتفاع غير مسبوق للديون
وحسب مؤشرات عالمية حديثة فإن الدين العالمي وصل لمستوى قياسي جديد غير مسبوق، عند 307 تريليونات دولار مع نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي.
وشهد الدين العالمي حالة ارتفاع بنحو 10 تريليونات دولار، وذلك خلال الشهور الستة الأولى من العام الجاري، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي والتي سجلت 297.2 تريليون دولار.
أيضا بالنسبة للأسواق المتقدمة فإن الدين قد وصل بها إلى مستوى 207 تريليونات دولار، وذلك مع نهاية الربع الثاني من عام 2023 الجاري، محققا زيادة بمقدار 7.6 تريليون دولار على أساس سنوي، وما نسبته 80% من الزيادة في قيمة الدين العالمي تأتي من الاقتصادات المتقدمة بشكل خاص، وتقول المؤشرات إن الولايات المتحدة واليابان والمملكة المتحدة وفرنسا كانت لهم القيادة لوتيرة الصعود.
في حين أن ظاهرة زيادة الديون تركزت في الأسواق الناشئة في دول مثل الصين والهند والبرازيل.
هذه الأسواق الناشئة بلغت بها الديون 100 تريليون دولار، وذلك مع نهاية الربع الثاني من العام الجاري، مسجلة صعودا من 97.8 تريليون دولار في نفس الفترة من عام 2022 الماضي.
وتجدر الإشارة إلى أن مستويات الدين العالمي الحالية تعتبر أعلى بنحو 100 تريليون دولار، عما كانت عليه قبل 10 سنوات من الآن.
أسباب وراء صعود الدين
كان من الأسباب وراء قفزة الدين العالمي الصعود القوي لمعدلات التضخم حول العالم، والتراجع الحاد لمعدل الناتج المحلي خلال العامين الماضيين.
أيضا كان تسارع الحكومات العالمية والشركات في خفض التزاماتها بالعملات المحلية سببا في ارتفاع مستويات التضخم، ولكن تباطؤ صعود الأجور وضغوط الأسعار كان سببا في عودة الاتجاه الصاعد لمعدل الدين، بما يعد نتيجة مباشرة لمعدل الناتج المحلي الإجمالي.
والتقرير الذي قدمه معهد التمويل الدولي تنبأ بأن يكون هناك ارتفاع في معدل الدين إلى الناتج المحلي العالمي، بنسبة أعلى من 337%، وذلك مع نهاية العام الجاري.
من النقاط التي استعرضها التقرير وكانت سببا في قفزة الدين العالمي بهذا الشكل العجز المالي، واتجاه الكثير من الحكومات لدعم النو الاقتصادي، وارتفاع عبء الديون، مما تسبب في رفع البنوك المركزية العالمية لمعدلات الفائدة، بمستوى حاد وغير مسبوق في العامين الماضيين.
في السياق نفسه، تحدث خبراء اقتصاديون، منهم صوفيا دورسوس الاقتصادية بصندوق التحوط عن الأزمة، وقالت إن ارتفاع احتياجات التمويل والدعم من جانب البنوك المركزية يعززان من عدم اليقين بشأن التسعير بالنسبة للمستثمرين.
الاقتصادات الكبرى تواجه مخاطر بمعدل تصاعدي
ويرى خبراء منهم "راي داليو" بصندوق "بريدج ووتر أسوسيتس" أن الاقتصادات المتقدمة في العالم تشهد مخاطر متصاعدة متعلقة بحجم العجز المالي وارتفاع عبء الديون.
كما يرى الخبير الاقتصادي أن الولايات المتحدة في سبيلها لأن تشهد أزمة ديون، بفعل الوضع المالي العالمي الخطير، ويعكس ذلك ارتفاع مدفوعات الفائدة السنوية على ديون حكومة الولايات المتحدة، لما يزيد على تريليون دولار، مع نهاية أكتوبر/تشرين الأول المنقضي.
هذا الحجم يعادل ما نسبته 16% من حجم الموازنة الفيدرالية للعام المالي 2022، كما وصل حجم مدفوعات فوائد الديون الحكومية الأمريكية للضعف، خلال الـ19 شهرا الماضية، مع رفع معدلات الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي من صفر في مارس/آذار 2022 إلى ما نسبته 5.25% و5.5% في الوقت الحالي ضمن محاولات التصدي لمؤشرات التضخم القياسية.
كما واجهت الولايات المتحدة أزمة اقترابها من التعثر في سداد الديون، بسبب الخلافات السياسية في الكونغرس، واستمرار ارتفاع الدين الوطني في أمريكا إلى معدل 33.7 تريليون دولار.
الدول النامية وأزمة مالية صامتة؟
وتواجه العديد من الدول النامية الصغيرة تحديات مالية كبيرة في الوقت الحالي، مما يعكس تأثير ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية على مواردها المحدودة.
وحذر البنك الدولي من تزايد معاناة الأسواق الناشئة والنامية التي تقع تحت وطأة الدين بالعملات الأجنبية، من أزمة مالية طويلة المدى، حيث يراهن المستثمرون على استمرار ارتفاع تكاليف الاقتراض لفترة طويلة.
وارتفعت نسبة الزيادة في تكاليف الاقتراض لدى البلدان الناشئة والنامية بأكثر من 10% مقارنة بتكاليف الاقتراض الأمريكي، حيث وصلت هذه النسبة إلى 23% مقابل أقل من 5% في عام 2019.
كما زادت مدفوعات فوائد الديون كنسبة من إيرادات الحكومة إلى أعلى مستوى على الأقل منذ عام 2010.
وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي فإن معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة والدول ذات الدخل المتوسط يتجه نحو تجاوزه لنسبة 78% بحلول عام 2028، مقارنة بنسبة 53% التي كان يتنبأ بها قبل عقد من الزمن.
وتسبب ارتفاع عوائد السندات في تعثر دول مثل غانا وسيرلانكا في سداد ديونها، مما يجعل العديد من الدول الأخرى على حافة الإفلاس.
الحاجة الملحة إلى حلول سريعة
وتعتبر مشكلة الدين العالمي التي تواجه الدول الكبرى مصدرا للقلق، في حال عجز هذه الدول عن سداد ديونها، لذا يبقى من الأمور الملحة اتخاذ إجراءات مالية فعالة تضمن حلولا سريعة، تشمل رفع الضرائب ودعم النمو من أجل تعزيز الاستقرار المالي العام.
وكان قد ذكر الخبير بيتر بريت، الاقتصادي السابق في البنك المركزي الأوروبي، أنه من الضروري التفكير بعمق في هذا السياق.
فعلى الرغم من أن الديون تبدو مستدامة في الوقت الحالي، إلا أن التوقعات المستقبلية تثير بعض القلق بناء على احتياجات إبرام اتفاقات على المدى الطويل، مع الوضع بالاعتبار دائما أن العالم ليس بعيدا عن أزمة مالية عامة.
وتأتي هنا أهمية اتخاذ الحكومات إجراءات عاجلة لمعالجة نقاط الضعف المتعلقة بالديون، كما يجب تحقيق كفاءة في الإنفاق والقيام بإصلاحات هيكلية تدعم خطط النمو، وذلك من أجل التحكم في الأزمة المالية.
لذا دعا صندوق النقد الدولي إلى إقامة إطار مالي موثوق يمكن أن يوجه عمليات تحقيق التوازن بين احتياجات الإنفاق وقدرة الدول على تحمل الديون.
وفيما يخص الدول التي لا يمكنها تحمل ديونها الحالية، يجب أن يتم اتباع نهج شامل يتضمن الانضباط المالي وإعادة هيكلة الديون وفقا للآلية متعددة الأطراف للإعفاء من الديون السيادية، كما دعت مجموعة العشرين إلى ذلك.
aXA6IDMuMTQ0LjM4LjE4NCA= جزيرة ام اند امز