نزيف خسائر أسواق المال.. فوضى جديدة بمشهد العالم الجيوسياسي (تحليل)
أضفى الذعر الذي ضرب أسواق المال العالمية، الإثنين 5 أغسطس/آب 2024، مزيداً من الفوضى للمشهد الجيوسياسي في العالم.
لقد ولدت المخاوف من ركود أمريكي محتمل ذعراً بين أوساط المستثمرين والمتعاملين في أسواق المال العالمية التي شهدت أحد أسوأ أيام تداولاتها في الذاكرة الحديثة.
وساعدت المخاوف من تباطؤ الاقتصاد الأمريكي في دفع الانخفاضات في أسواق الأسهم في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، لتتدفق الأموال إلى الملاذات الآمنة مثل سندات الحكومة الأمريكية والألمانية. وعكس ذلك الذعر مخاوف المستثمرين الذين يتطلعون إلى تجنب التداعيات المالية الناجمة عن التفكك المفاجئ لسوق الصيف الذي أصبح باردًا بشكل غير معتاد.
- ارتباك في أسواق العملات.. الدولار يتكبد خسائر فادحة بسبب ضغوط الفائدة
- بورصات العالم تنتعش بعد عاصفة الإثنين الأسود.. هل زال شبح الركود الأمريكي؟
واستسلم مؤشر نيكاي الياباني للأسهم القيادية بعد خسارته أكثر من 12% بعد يوم اضطرابات جلسة الجمعة 2 أغسطس/آب الجاري، مع وجود عمليات البيع المدفوعة بذعر وإيقاف التداول عدة مرات. كما هبط سوق كوريا الجنوبية بنحو 9%، وهو الأسوأ منذ الركود العظيم. وهبطت الأسواق في أوروبا بنسبة تتراوح بين 2-3%، كما عكس التحرك المبكر في مؤشري داو جونز وناسداك تداولات درامية في يوم مظلم.
نزيف خسائر مخيف
ونقل تحليل نشرته "فورين بوليسي" عن روبن بروكس، وهو زميل بارز في الاقتصاد العالمي والتنمية في مؤسسة بروكينغز فإن "الأسواق مثل طفل صغير، وبعد نوبة غضب فالأمور إما أن تكون سوداء أو بيضاء؛ فهي ليست رمادية أبدا". واعتبر أن نزيف الخسائر الأحمر، يشكل مشكلة لأسباب عديدة، ليس أقلها أنه يمحو مليارات إن لم يكن تريليونات الدولارات من الثروة الورقية ــ وهو إفقار مفاجئ وافتراضي قد يتسرب قريبا إلى أشياء حقيقية مثل معنويات المستهلكين، وثقة التصنيع، وبدء بناء المساكن، وخلق فرص العمل، وهي الأجزاء الأساسية من الرخاء الاقتصادي الوطني والعالمي.
فما الذي حدث للتو؟ كان أول ما سقط هو أرقام الوظائف الأكثر كآبة من المتوقع في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، مما ألمح باحتمال حدوث تباطؤ اقتصادي طال انتظاره بعد سنوات من النمو الهائل. وكان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وهو البنك المركزي الأكثر أهمية في العالم، بطيئا في النهوض من على الأريكة، حتى أنه حافظ على أسعار فائدة مرتفعة إلى حد ما الأسبوع الماضي. والآن أصبح تحت ضغط لخفض أسعار الفائدة بسرعة وبكميات كبيرة إلى حد ما للتعافي من العاصفة السوداء.
ولكن تقرير التوظيف المخيب للآمال لم يكن الخبر الكئيب الوحيد؛ فقد أشار كتاب البيج الصادر عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في يوليو/تموز، وهو لقطة غير رسمية للاقتصاد الأمريكي منطقة تلو الأخرى، إلى بعض النقاط الضعيفة المحتملة مثل القروض الاستهلاكية أو مبيعات السيارات الجديدة، في ما كان ولا يزال اقتصاداً قوياً في كثير من النواحي. وكانت هناك أنباء سيئة أخرى من الولايات المتحدة أيضاً، بما في ذلك أرقام كئيبة تكبدها قطاع التكنولوجيا في نتائجه الفصلية لدى شركات عملاقة مثل إنتل وهروب كبير للأموال من شركة أبل. وكانت النتيجة بيع الأسهم، وخاصة في قطاع التكنولوجيا، التي كانت تتداول عند تقييمات مرتفعة تاريخياً والتي طال انتظارها للتصحيح.
وقال بين ستيل، الخبير الاقتصادي العالمي في مجلس العلاقات الخارجية، إن صعود السوق على مدار العام الماضي كان مدفوعًا باعتقاد بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي كان مرنا وأن استثمارات الذكاء الاصطناعي ستبدأ قريبًا في إظهار العائدات. والآن تخشى السوق أن يكون بنك الاحتياطي الفيدرالي متأخرًا كثيرًا في خفض أسعار الفائدة وأن عائدات الذكاء الاصطناعي قد تكون أقل بكثير من التوقعات".
عدم يقين جيوسياسي
وساهمت المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد الأمريكي في دفع أسواق الأسهم إلى التراجع في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، لتوجه تحديات اقتصادية للحكومات التي تعاني بالفعل من وطأة التضخم وتكافح لتجنب الركود. ووفقاً للتحليل، فإن هذه الصدمة تحدث في وقت من عدم اليقين الجيوسياسي الشديد، مع حربين كبيرتين في أوروبا والشرق الأوسط، وفوضى متصاعدة في جنوب آسيا، وانقسام في أوروبا، وصين صاعدة بقوة. والأمر الأكثر أهمية من ذلك أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحاسمة لم يتبق عليها سوى ثلاثة أشهر.
وعادة تذهب الأموال إلى الملاذات الآمنة التقليدية مثل السندات الأمريكية والألمانية لأجل عشر سنوات. لكن العائدات على سندات الخزانة الأمريكية هبطت بنحو نصف نقطة مئوية منذ أواخر يوليو/تموز، في حين تهبط العائدات على السندات الألمانية بشكل كبير. والواقع أن هبوط العائدات على استثمارات "سترة النجاة" المعتمدة على معيار الذهب في السوق العالمية يشكل دوماً تقريباً إشارة إلى أن الأموال الضخمة تبحث عن ملاذ آمن على عجل.
aXA6IDE4LjExOS4xOS4yMDUg جزيرة ام اند امز