أدباء: الرواية التاريخية تغري المبدعين وتثير شغف القراء
"العين الإخبارية" تتحدث مع بعض الكتاب والأدباء العرب؛ ممن كتبوا روايات تسجل حقب مختلفة من التاريخ العربي.
شهدت الفترة الأخيرة حماساً من المبدعين لكتابة الرواية التاريخية، والتي وجدت إقبالاً جماهيرياً لافتاً، نظراً لما يحمله التاريخ من خيال وقدرة على إثارة ذهن ومشاعر القارئ.
"العين الإخبارية" استطلعت آراء بعض الكتاب والأدباء العرب؛ ممن كتبوا روايات تسجل حقب مختلفة من التاريخ العربي.
وقال الروائي الجزائري واسيني الأعرج، وهو صاحب خبرة في كتابة الرواية التاريخية: "أثناء الكتابة كما يقول المثل الفرنسي أكون بقبعتين، الأولى قبعة الكاتب، والثانية قبعة المؤرخ، وهذه حتمت عليّ العمل طويلاً على الوثائق، وقد انتقلت إلى بلدان عربية كثيرة عاشت زمن التمزيق".
وأضاف "الأعرج": "عملت على مشروع التاريخ العربي روائياً، من حيث الأمكنة والأزمنة والتواريخ، من وثائق وكتب وفيديوهات".
وتابع: "واحدة من وظائف كاتب الرواية التاريخية أن يهيمن على المساحة التي يعمل عليها، ولا يترك شيئاً للصدفة، وإلا سيفشل في مشروعه في النهاية".
وأكد الروائي الجزائري أنه ليس مؤرخاً في النهاية، لكن يكتب بشكل إبداعي، ولذلك كان عليه أيضاً أن يرتدي قبعة الكاتب، وهي قبعته الأساسية، وهي المهمة الأصعب.
وأوضح: "صعوبتها تكمن في كيفية جعل مادة جافة وميتة عملياً مادة تاريخية حية وديناميكية، بها أنفاس وروائح وبشر يتحركون، وهذا ليس أمراً سهلاً؛ لأننا داخل مادة متضاربة متناقضة ولغات متعددة فرنسية عربية وإنجليزية وإسباني، وعليّ أن أجد مسلكا للحكاية".
وتناولت الكاتبة العراقية إنعام كجه جي، في روايتها "النبيذة" 80 عاماً من تاريخ عراق معذب، وأحداث تدور بين فلسطين، بيروت، العراق، كراتشي، فنزويلا وباريس.
وقالت: "أنا أسير مع السائرين، وأتقدم في العمر، وأتفرج على الملهاة الجارية من حولنا، وأغضب وأيأس ثم أبتسم وأواصل التقدم والفرجة".
وأضافت: "أتعامل كروائي. أي كمنبع لسرد يجتهد ليجعله مشوقاً وذا دلالة، لكنني أعود وأقول إنني لم أستعر من التاريخ القريب سوى ذيوله التي عبثت بحياتنا الحاضرة".
أما الروائية البحرينية لمى سخنيني فقالت: "ما أكتبه هو ليس نبشاً في التاريخ، بقدر ما هو اتكاء وسرد لحقبة تاريخية مازلنا نعيش صداها إلى الآن".
وأضافت: "أحداث نكبة 1948 ونكسة 1967، وكل النكبات والنكسات اللاحقة، لا تزال حاضرة في ذاكرة الشعب الفلسطيني الحية، فالرواية هي عمل إبداعي يزيد التاريخ توهجاً وحضوراً".
وأكدت "سخنيني": "لا أسعى إلى محاكمة التاريخ أو الحكم عليه، بل أسرد وقائعه، وأعرض وقع تأثيره على شخصيات رواياتي".
ويرى الروائي اليمني محمد الغربي عمران أنه رغم تخصصه في التاريخ، إلا أنه يعتبره أداة للتحليق بالخيال، والإتيان بشخصيات وأحداث لم تكن إلا في الرواية".
وأشار الغربي عمران إلى أنه لا يوجد في أعماله توثيق، وليس من وظيفة الرواية التوثيق، وإن اتكأت الرواية الحديثة على شتى الفنون والعلوم كالجغرافيا والتاريخ والسينما والمسرح، في سبيل تقديم عمل فني يدهش القارئ، ويقدم ثقافة في قالب شيق.
وأكد عمران: "الرواية لا تستهدف تقديم علوم أو معلومات، والتاريخ وغيره ضمن ذلك، عدا ما يأتي ضمن السياق، وليس من وظيفتها تقديم نصائح أو حلول، هي فقط تناقش وتطرح أسئلة، وغايتها تحريك واستدراج العقل للغوص في أعماق النص، لينطلق محلقاً باحثاً عن أجوبة للوجود، وجدوى إنسانيتنا على هذه البسيطة".
الروائي السوداني أمير تاج السر، تناول أيضاً في بعض كتاباته التاريخية حقب مختلفة من تاريخ السودان، وحول معرفة كيف يمكن للرواية التاريخية أو التوثيق التاريخي للأدب أن ينقذ التاريخ من التزوير، وخاصة في تلك الظروف السياسية المتغيرة.
وقال: "ذكرت كثيراً أن الأدب أكثر صدقاً من التاريخ؛ لأن الأديب يكتب مشاهدات عرفها، والتاريخ يحاول أن يفعل ذلك وربما لا يصدق، ويُكتب من وجهات نظر متعددة، والذي يقرأ رواية (ليلة لشبونة) للألماني أريك ماريا، يجد تاريخاً قوياً وملهماً، وفيه صدق، عما يكتب عن تاريخ الحرب العالمية الثانية".
كما تناولت الروائية المصرية ضحى عاصي، في روايتها الأخيرة "غيوم فرنسية"، إحدى الشخصيات التي دار حولها جدل كبير في التاريخ المصري نتيجة تعاونه مع الحملة الفرنسية على مصر (1798-1801)، وهو المعلم يعقوب.
وقالت "عاصي": "دراستي للمصريات، وعملي سنوات طويلة كمرشدة سياحية، جعلني لا أرى التاريخ بعيداً كما نتصور، ولذا إذا كان هذا النص كاشفاً؛ فلا أعتقد أنه يكشف أسرار اللعبة التاريخية وعبث الإنسان بالتاريخ، بقدر ما كان محاولة لقراءة واقع ومشاعر وأحلام وأفكار شخصيات النص التي عاشت قبلنا بمائتي عام".
وأضافت: "بالنسبة لي الكتابة في التاريخ ليست نبشاً في الأسرار، ولا للكشف أو حتى المراجعة، ولكنها تواصل مع روافد الحاضر الذي نعيشه، بما فيه من استمتاع بجزء من حدوتة الإنسانية الكبرى الممتدة والمتصلة".