«أنقذته إسرائيل».. كيف خدع يحيى السنوار تل أبيب؟
«غامض.. قادر على تحريك الجماهير.. يتمتع بقدرات غير عادية على المكر والتلاعب»، هكذا عرفت إسرائيل يحيى السنوار الذي وصفته بأنه «رجل ميت يمشي»، ووضعته على رأس قائمة المطلوبين في قطاع غزة.
ورغم 40 سنة من الخبرة تملكها إسرائيل في التعامل مع زعيم حركة حماس في غزة، يحيى السنوار، إلا أن «الخبرة الإسرائيلية في التعامل معه، لم تؤد سوى إلى تهدئة قادة الأمن الإسرائيليين، ومنحهم شعورا زائفا بالرضا عن النفس»، بحسب الصحيفة البريطانية، التي قالت إن السنوار نجح في خداع الدولة العبرية.
فكيف خدع السنوار إسرائيل؟
قبل عقود من «تنظيمه هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي التي شنتها حماس على إسرائيل» -كما تتهمه الدولة العبرية-، كان رد يحيى السنوار على سجنه من قبل محكمة عسكرية إسرائيلية بتهمة ارتكاب جرائم قتل متعددة، بدراسة اللغة العبرية.
وقال ميخا كوبي، الذي استجوب السنوار لصالح جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي «الشاباك»، في تصريحات لـ«فايننشال تايمز»: لقد قرأ السنوار جميع الكتب التي صدرت عن شخصيات إسرائيلية بارزة، بينهم: فلاديمير جابوتنسكي ومناحيم بيغن ويتسحاق رابين. لقد تعلمنا من الأسفل إلى الأعلى».
وبعد مرور خمسة عشر عامًا من سجنه، استخدم السنوار لغته العبرية التي يجيدها بطلاقة في مقابلة تلفزيونية إسرائيلية، إلا أنه بدلاً من أن يدعو إلى الحرب، حث الجمهور الإسرائيلي على دعم الهدنة مع حركة حماس.
فـ«نحن ندرك أن إسرائيل تمتلك 200 رأس نووي، وأن لديها القوة الجوية الأكثر تقدما في المنطقة»، يقول زعيم حماس في المقابلة التي بثت آنذاك للرجل الذي كان يرتدي سترة قرمزية، مضيفًا: «نحن نعلم أننا لا نملك القدرة على تفكيك إسرائيل».
ومع ذلك، فإن السنوار (61 عاما) هو اليوم أكثر الرجال المطلوبين في إسرائيل؛ ويشير إليه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، على أنه «رجل ميت يمشي». وتتهمه إسرائيل بأنه الشخصية الأكثر انخراطًا في الهجوم المفاجئ الذي وقع في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأدى إلى مقتل أكثر من 1400 إسرائيلي.
وتقول «فايننشال تايمز»، إن القضاء عليه (السنوار) هو «الهدف الأساسي للحملة الإسرائيلية المتصاعدة لتدمير حماس». ويقول مسؤولون فلسطينيون إن نحو 9770 شخصا قتلوا في غزة منذ أن بدأت إسرائيل ردها على الهجوم، بالإضافة إلى تدمير مناطق واسعة من الأراضي التي تسيطر عليها حماس..
كيف كانت إسرائيل ترى السنوار؟
وتضيف الصحيفة البريطانية، أنه «قبل هجوم حماس، كان لدى إسرائيل ما يقرب من 40 عاما من الخبرة في التعامل مع السنوار، الذي وصفته بأنه رجل حاد وعنيف، ذو جسد نحيل، وشعر قصير، إلا أنه مع ذلك، فإن هذه المعرفة المتراكمة، في السنوات الأخيرة، لم تؤد إلا إلى تهدئة قادة الأمن الإسرائيليين ودفعهم إلى الشعور الزائف بالرضا عن النفس».
فـ«عشية الحرب، كانت إسرائيل تنظر إلى السنوار باعتباره متطرفًا خطيرًا، لكنه قابلا للإرضاء، وأنه أكثر اهتمامًا بتعزيز حكم حماس في غزة، وانتزاع تنازلات اقتصادية لمصلحة قطاع غزة»، تقول «فايننشال تايمز»، التي استدركت بقولها، إن القراءة الخاطئة لشخصية السنوار كانت مقدمة لأكبر فشل استخباراتي لإسرائيل، الذي نجح في خداعها».
«لم نفهمه على الإطلاق» قال مايكل ميلشتاين، ضابط الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق والخبير في الشؤون الفلسطينية، مضيفًا: «معرفتنا به قيمتها صفر».
وتقول «فايننشال تايمز»، إن صورة السنوار التي رسمها العديد من الأشخاص الذين قضوا وقتًا معه على مدار عقود، هي صورة رجل له حضور قيادي وذو كاريزما، قليل الكلام، سريع الغضب».
كوبي الذي استجوب السنوار في عام 1989، يفتش في ذاكرته، قائلا: عندما اعترف بارتكاب جريمة قتل. كان ذلك في ذروة الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
ماذا نعرف عن السنوار؟
السنوار، المعروف على نطاق واسع باسم أبو إبراهيم، ساعد في بناء كتائب القسام (الجناح العسكري لحماس). لكنه اعتقل في أواخر الثمانينيات، بسبب دوره الخاص داخل حماس، والمتمثل في مطاردة الفلسطينيين المشتبه في تعاونهم مع إسرائيل.
وقال كوبي إن «السنوار تفاخر – سواء بشكل صحيح أو على سبيل التبجح – بالعقوبة التي تم فرضها على أحد المشتبه بهم من فصيل منافس، حيث استدعى شقيق الرجل، وجعله يدفن أخاه حيا. هذا يحيى السنوار».
وأدانت محكمة عسكرية إسرائيلية سرية السنوار بقتل 12 فلسطينيا، بينهم الرجل الذي دفن حيا، وفقا لشخصين مطلعين على القضية.
كيف أنقذت إسرائيل حياة السنوار؟
ارتقى السنوار ليصبح زعيم جميع أسرى حماس في السجون الإسرائيلية، وهو منصب مؤثر داخل التسلسل الهرمي للحركة المسلحة. وفي عام 2004، قام الأطباء الإسرائيليون بإزالة خراج كان موجودًا بجوار دماغه، مما أنقذ حياته، وفقًا للسلطات الإسرائيلية.
وحاول تقييم استخباراتي إسرائيلي للسنوار خلال فترة وجوده في السجن رسم شخصيته، فقال عنه إنه: «قاس. موثوق، مؤثر ومقبول من قبل أصدقائه ويتمتع بقدرات غير عادية على التحمل والمكر والتلاعب ويكتفي بالقليل.. يحتفظ بالأسرار حتى داخل السجن بين السجناء الآخرين.. لديه القدرة على تحريك الجماهير».
نشأ السنوار في أحد الأحياء الفقيرة في خان يونس بجنوب غزة، وظهر لأول مرة على الساحة السياسية في غزة في أوائل الثمانينيات باعتباره مستشارًا لمؤسس حركة حماس، الشيخ أحمد ياسين، الذي كان مقعدًا على كرسي متحرك، والذي كان يحظى باحترام كبير داخل الحركة.
وكان جار السنوار في خان يونس هو محمد ضيف، وهو الآن القائد العسكري الغامض لحماس. ساعد في إنشاء الجناح العسكري للجماعة، وعين مسؤولاً عن جهاز الأمن الداخلي، والذي يسمى «قوة المجد»، المكلف بالقضاء على المشتبه فيهم بالتعاون مع إسرائيل، مما أكسبه لقب «جزار خان يونس».
أطلق سراح السنوار عام 2011 بعد أن قضى 22 عاما في السجون الإسرائيلية، خلال جزء من عملية تبادل تم فيها إطلاق سراح أكثر من 1000 فلسطيني مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي كانت تحتجزه حماس في غزة.
وبحلول عام 2017، انتخب زعيمًا لحركة حماس في غزة، ليحل محل إسماعيل هنية، الذي أصبح رئيسًا للمكتب السياسي في الحركة، وفقًا للعديد من الأشخاص المطلعين على العلاقات بين الرجلين.
وتحت قيادته، قامت حماس بضبط استخدام للقوة عبر الاحتجاجات على الحدود، والبالونات الحارقة، وخاصة إطلاق الصواريخ؛ لدفع إسرائيل إلى مزيد من المحادثات غير المباشرة عبر وسطاء مصريين وقطريين والأمم المتحدة.
وقال أحد كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين في وقت سابق من هذا العام، «إن الصواريخ هي الوسيلة التي يستطيعون بها إجراء محادثات معنا»، مما أدى إلى منح تل أبيب في السنوات الأخيرة تنازلات لغزة لم يكن من الممكن تصورها قبل بضع سنوات فقط، بما في ذلك المزيد من الدعم المالي القطري وآلاف تصاريح العمل الإسرائيلية.
نقطة التحول
«لكن لا تزال دوافع السنوار وراء تحوله المفاجئ في 7 أكتوبر/تشرين الأول بمثابة لغز»، بحسب الصحيفة البريطانية.
إلا أنه في عام 2021، كان السنوار بحاجة إلى جولة إعادة في الانتخابات الداخلية لحماس ضد منافس قديم للاحتفاظ بمنصبه، وهو ما يرى بعض المحللين أنه نقطة تحول محتملة. وبعد بضعة أشهر، خاضت إسرائيل وحماس حربا استمرت 11 يوما، وبعدها أعلن السنوار – الجالس على كرسي في أنقاض منزله المدمر «النصر».
وخلال العام الماضي، سافر مسؤول فلسطيني له علاقات وثيقة بغزة إلى القطاع عدة مرات، في محاولة للتفاوض على ميثاق وطني أوسع مع حماس. وكان يلتقي بالسنوار في كثير من الأحيان، ويصر على أن هناك «احتراما متبادلا».
لكن في الزيارة الأخيرة التي قام بها المسؤول الفلسطيني إلى غزة في وقت سابق من هذا العام، «اختفى السنوار تماما»، قائلا: «كانت هناك إشارات كان ينبغي علينا قراءتها (..) تمويه بوجود مسار دبلوماسي من أجل إخفاء مساره العسكري».
ومع ذلك، كان التقييم الرسمي الإسرائيلي هو أن حركة حماس التي يقودها السنوار كانت مترددة عن خوض حرب أخرى ومهتمة بالتوصل إلى اتفاق أوسع مع إسرائيل.
ووفقاً للاستخبارات الإسرائيلية، فإن هجوم حماس تطلب عامًا على الأقل من التخطيط. وتقول «فايننشال تايمز»، إن واجهة السنوار الظاهرية، كانت مجرد خداع محض يهدف إلى كسب الوقت.
وقال ميلشتاين، ضابط الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: «علينا أن نواجه الأمر: إنه مدفوع بكراهية وتدمير إسرائيل».
واختتمت الصحيفة تقريرها، بقولها، إنه قد تواجه غزة الآن هجومًا مدمرًا، بهدف الإطاحة بالسنوار، إلا أن وجود إسرائيل في القطاع المحاصر فيما مصير المنطقة على المحك، قد يكون انتصاراً كافياً للسنوار إنه لن يستسلم. سيموت هناك في غزة».
aXA6IDE4LjExOS4xNjEuMjE2IA== جزيرة ام اند امز