ثقافة
ياسر رزق.. فارس الكلمة الذي وقف ضد التيار (بروفايل)
تموت "الكلمة"، عندما يرحل صاحبها وتسري البرودة في جسده، ترقد "الكلمة" بجانبه في فراش الموت، لا صوت، ولا صدى.
هذا هو الإحساس الغريب الذي سيطر على أحباء الكاتب المصري ياسر رزق الذي وافته المنية صباح اليوم الأربعاء، إثر أزمة قلبية مفاجئة.
يعد ياسر رزق واحدا من الكتاب المتميزين الذين حفروا أسماءهم بشكل رائع في سوق الكتابة السياسية.
كان رزق كاتبا جرئيا، يشتبك مع الواقع بصورة يومية، ويعبر عن آراء الناس بصفة دائمة.
جمع رزق بين موهبة الكتابة، والإدارة، إذ ترك بصمة خالدة في المهنة التي أحبها وأخلص لها، وترك أيضا تأثيرا رائعا في كل منصب وصل إليه.
بداية ياسر رزق
أحب ياسر رزق الكتابة منذ الصغر، ومنحه القدر قدرا كبيرا من الذكاء، هذا الذكاء الذي جعله يحدد هدفه مبكرا ويجتهد من أجله.
تمنى رزق، أن يعمل صحفيا، ولذا حصل على مجموع مرتفع في الثانوية العامة، والتحق بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وأثناء دراسته بالجامعة حصل على فرصة للتدريب على فنون الصحافة داخل دار أخبار اليوم القومية.
استثمر ياسر رزق الفرصة جيدا، وتعلم من كبار الكتاب، وفي عام 1986 تخرج في كلية الإعلام، ولم يجد صعوبة في العمل، لأنه كان قد حجز مكانه في دار أخبار اليوم.
وبالفعل عقب التخرج تم تعيين ياسر رزق في أخبار اليوم، وتنقل بين العديد من الأقسام الصحفية، وفي كل مكان يذهب إليه كان يكتسب خبرة ويترك بصمة، وبمرور الأيام صار نجما لامعا في عالم الكتابة.
وبعد سطوع نجم ياسر رزق، اختارته صحيفة "أخبار اليوم" ليكون محررا عسكريا، وحقق في هذا الملف نجاحا لافتا، بعدها وفي عام 2005 بالتحديد تم اختياره مندوبا للصحيفة في رئاسة الجمهورية.
وبعد شهور من تغطية أخبار الرئاسة، تولى ياسر رزق منصب رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون الحكومية، وبمهارة رائعة نهض بمستوى المجلة وارتقى بمحتواها.
مناصب ياسر رزق
في 18 يناير/كانون الثاني 2011، ترك ياسر رزق مجلة الإذاعة والتلفزيون، وعاد لدار أخبار اليوم، ليشغل منصب رئيس تحرير الصحيفة اليومية.
تولى رزق المهمة في ظروف صعبة، إذ اندلعت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 بعد أيام من توليه المنصب، ليجد نفسه في مهمة وطنية وسياسية خطيرة.
تمكن رزق من رفع توزيع الصحيفة، وسطع نجم أخبار اليوم مجددا، بفضل رؤيته وبراعته في قراءة شفرة القارئ الجديد، الذي يعتمد على الكلمات الرشيقة، والجمل المختصرة.
لم يسلم رزق من عناصر جماعة الإخوان المسلمين، الذين نجحوا في الإطاحة به من منصبه بالاستعانة ببعض عملاء الإخوان داخل المجلس الأعلى للصحافة وقتها.
ترك رزق دار أخبار اليوم، وعمل في الصحافة الخاصة، حيث تولى منصب رئيس تحرير جريدة "المصري اليوم" المستقلة لمدة سنة و3 شهور، بناء على اختيار مجلس أمناء المؤسسة، وكانت هذه المرة الأولى التي يعمل فيها ياسر رزق في مؤسسة خاصة وبعيدا عن عشقه القديم "دار أخبار اليوم".
مرت الأيام وعاد "رزق" إلى أخبار اليوم، رئيسا لمجلس الإدارة، ولم يسمح لمهام العمل الإداري أن تقتل حب الكتابة بداخله.
وشهدت فترة وجوده رئيسا لمجلس الإدارة سطوع نجم المؤسسة، وتوهجه ككاتب، ومن أهم المقالات التي كتبها في ذلك الوقت الرئيس والمشير.. وصلاة «المُوَدِّع» و"وما أدراك ما الجيش إذا غضب".
تناول ياسر رزق بشكل رائع كواليس مرحلة خطيرة في مصر، ورصد كواليس عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، وكيف استطاعت المؤسسة العسكرية في مصر حماية أمن البلاد من تيار الجماعة.
انفرادات ياسر رزق
يحتوي أرشيف ياسر رزق الصحفي على العديد من الانفرادات الصحفية، التي وضعته في قائمة الموهوبين في عالم الكتابة، ومن أبرز هذه الانفرادات قيامه بإجراء أول حوار مع الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والإنتاج الحربي في مصر آنذاك وبعد "ثورة 30 يونيو" ، التي أزاحت حكم جماعة الإخوان المسلمين من حكم مصر.
تمكن رزق خلال هذا الحوار من كشف الكثير من الوقائع، التي سبقت عزل محمد مرسي في موجة غاضبة تحمل النقمة على الرئيس الإخواني وجماعته، بخلاف الكشف عن جوانب أخرى إنسانية في حياة "السيسي".
آخر مؤلفات ياسر رزق
رحل ياسر رزق عن الحياة في 26 يناير/كانون الثاني 2022، بعد صراع مرير مع مرض القلب.
وقبل وفاته بأيام كان قد احتفل بصدور كتابه "سنوات الخماسين.. بين يناير الغضب ويونيو الخلاص" والذي يتضمن رصدا دقيقا وموضوعيا لمرحلة صعبة في تاريخ مصر الحديث، منذ اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 وحتى ثورة 30 يونيو/حزيران 2013، ومعلومات ومواقف يُكشف عنها للمرة الأولى ويرويها الكاتب من موقع الشاهد بحكم عمله الصحفى وقربه وصلاته الوثيقة بدوائر صناعة القرار إبان تلك الفترة الحرجة من تاريخ مصر.
aXA6IDE4LjExOC4xNDYuMTgwIA== جزيرة ام اند امز