نحو عام مر على دخول القوات الروسية إلى منطقة دونباس شرق أوكرانيا معلنة عن بداية حرب غيرت ملامح العالم وأعادت ترتيب توازناته.
حيز زمني طويل حاول خلاله كل طرف الحصول على مكاسب وسط كر وفر وتقدم موسكو فيما تمكنت أوكرانيا من استعادة بعض مناطقها بدعم أوروبي وغربي.
لكن السؤال الذي يظل عالقا في زحمة التطورات المتسارعة على مدار عام يظل: إلى أين تتجه الحرب؟ وهل يمكن أن تستعيد كييف باقي أراضيها؟ وأيضا ماذا في جعبة موسكو لم تخرجه بعد من أسلحة؟
قراءة عسكرية في النزاع بعد عام على اندلاعه يقدمها الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء أركان حرب سمير فرج في مقابلة خاصة مع "العين الإخبارية".
فرج أكد خطورة مرحلة ما بعد انتهاء فصل الشتاء وبدء الربيع بهجوم كبير روسي يحضر له الآن على مستوى كافة الجبهات، متوقعاً محاولة دخول أطراف دولية وعربية كوسيط لوقف الحرب.
عام على الحرب
يقول فرج إنه لمعرفة ما وصلت إليه الحرب يجب أن نرى أهداف الأطراف المشاركة أولا، أمريكا والتي دخلت الحرب لمساعدة أوكرانيا للاستنزاف اقتصاديا خلال الحرب.
ويضيف أنه بالنسبة لأوكرانيا، فقد فقدت 20 في المئة من الأرض وتدمرت البنية التحتية كلها وضاعت البلاد وأصبحت في مشكلة، أما روسيا فكانت أهدافها منع أوكرانيا من الانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) وضم جزيرة القرم ونجحت في هدفها الأول، وضمت 20 من الأراضي الأوكرانية، ما يعني أن كييف والعالم هما الخاسران.
وتابع: "الحرب نراها كخبراء عسكريين محلية تقليدية بين دولتين، لأنها استخدمت فيها المدافع والطائرات وليست نووية، ولكن للأسف هي عالمية التأثير، ولكن لا يوجد مكان في العالم لم يتأثر بها".
ولفت إلى أنه اليوم، وبعد مرور عام "تقاتل روسيا معركة دفاعية وصلت إلى حد خطوط وضعتها سابقة ونحن في فصل الشتاء، هدف موسكو الآن تقوية الخطوط الدفاعية الموجودة والمحافظة على التمركزات ومحاصرة مدينة باخموت والسيطرة على أطراف مدينة كوستنتينفكا وقطع الإمدادات العسكرية، بالإضافة إلى التقدم نحو سيفرسك عبر سوليدار".
وبالاضافة إلى تدمير البنية الأساسية للمدنية الأوكرانية، ووضع الرئيس فولوديمير زيلنسكي في حرج بوجود تسعة ملايين أسرة من غير تدفئة، وكذلك وقف الغاز على أوروبا، فهذا بالنسبة لروسيا اليوم، والخوف من مرحلة بعد الشتاء والتي حددتها روسيا، وفق الخبير.
إلى أين؟
* إلى أين تتجه المرحلة القادمة؟ وهل الشهور المقبلة المتبقية من الشتاء ستكون لصالح أي طرف؟
بحسب الخبير، فإن روسيا لن تترك استنزاف اقتصادها، وستستمر في مرحلة الدفاع عن المكتسبات والبدء في مرحلة أخرى بعد انتهاء الشتاء بعملية هجومية شاملة بداية من الربيع المقبل بعد زوبان الثلج وجفاف الطرق من الوحل.
وأوضح أن موسكو تتقدم بالدخول على جبهتين، أولهما أوديسا والسيطرة عليها بالكامل لحصار بحري كامل على أوكرانيا وإنهاء منافذها على البحار، واستخدام سياسة الأرض المحروقة حتى لا تستنزف القوات وكذلك مدينة أوغليدار.
وحول ما إن كانت الإمدادات الأوروبية والأمريكية من الأسلحة ستؤثر على مسار الحرب لصالح أوكرانيا، يرى الخبير أنه حصل في الفترة القليلة الماضية تغير في مسار الحرب بإعطاء أوكرانيا سلاحا هجوميا وهو دبابات من طراز "أبرامز" الأمريكية و"ليوبارد" الألمانية وm1 a1 الأمريكي أيضا والإنجليزية تشالنجر أحسن دبابات في العالم.
ومستدركا: "ولكن المشكلة الحقيقية كم ستحصل عليه كييف 150 دبابة 200.. ماذا سوف تفعل؟ خاصة أن روسيا تمتلك 12 ألف دبابة، كما يوجد تحذيرات أساسية وهي عدم ضرب العمق الروسي تجنباً لحدوث حرب نووية أو هجوم كبير، كما حدث ردا على ضرب جسر الرابط بين جزيرة القرم وروسيا".
كما أنها فقط دفاعية ولن تؤثر على الحرب إلا في مد زمن الأزمة، وذلك ما تهدف إليه أمريكا لإضعاف روسيا اقتصادياً.
ويعتبر الخبير أنه من الصعب جدا تسليم طائرات إلى أوكرانيا، خاصة في ظل احتياجها إلى تدريب بالاضافة إلى احتياجها إلى لوجستيات مكلفة منها ذخيرة وطريق وصيانة وفنيون وملقمو الذخيرة، والكثير من الدول الأوروبية رفضت ودولتان فقط وافقتا على بحث الأمر فقط.
نحو النووي؟
في قراءته، يعتبر فرج أن روسيا فاجأت الجميع في الحرب، حيث لم تعتمد في بادئ الأمر على سلاح الطيران بضربة جوية كما هو معتاد في الحروب العادية، واستخدمت ضربات صاروخية لتقليل الخسائر وزيادة الأضرار، فالطائرات تكلفتها ما يزيد عن 100 مليون دولار والصاروخ الأقوى مليون دولار.
وسعت موسكو بذلك لتغيير فكرة بدء الحروب في العالم والاتجاه إلى الضربات الصاروخية بدلا من الجوية. وروسيا خلال 20 عاما الماضية نجحت في تطوير المنظومة الصاروخية بشكل كبير، من أبرزها الكينجال والاسكندر "كاليبر كروز" بالإضافة إلى مدفع "هاوتزر" ذاتي الدفع 203 ملم و152 ملم ومدفع "أكاسيا".
ولكنها أخطأت فقط وتأخرت في عدم معرفة الطائرات المسيرة، ولذلك اعتمدت على إيران ولكنها خلال عامين سوف تطور ذلك السلاح لاستخدامه في الحرب، وهي تمتلك أحدث وأفضل أسلحة دفاع جوي بالعالم.
أما بالنسبة للمنحى النووي، فيقول الخبير إنه صعب، فالمخزون الروسي أو الأمريكي يستطيع تدمير العالم بأكمله وليس دولة، ولكنها من الممكن استعمال سلاح نووي تكتيكي ويدمر مدينة أو منطقة بحجم 10 كيلومترات مربع.
ولكن له قيود أمريكية وروسية، وهو تهديد الأمن القومي الداخلي للبلاد، فلذلك يحذر الغرب أوكرانيا من ضرب أي أهداف داخل روسيا وأبرزهم المستشار الألماني بعد موافقة بإعطاء الدبابة الألمانية ليوبارد شرط بعدم ضرب العمق الروسي.
مفاوضات؟
يقول فرج إنه من السهل معرفة ميعاد بدء الحرب، ولكن من الصعب معرفة موعد انتهائها، فإذا انتهى الشتاء بدون معاهدة سلام من الصعب التكهن، أمامنا 4 شهور الربيع إلى حل.
ولكن هناك أمل بالمطالبة بسلام في المنطقة، خاصة مع دخول الرئيس الأمريكي جو بايدن الانتخابات المقبلة، وبداية حملته الانتخابية ومحاولة تجنب الأخطاء.
وأوضح أن بوتين لن يوافق على أي معاهدة سلام بدون أربع نقاط، وهي عدم انضمام أوكرانيا للناتو وأن تصبح حيادية مثل سويسرا وعدم دخولها العالم النووي، والموافقة على ضم جزيرة القرم، بالإضافة إلى الأربع مدن الجديدة.
وبخصوص التفاوض، قال إنه "من الممكن حدوث ذلك خاصة مع دخول إسرائيل وتركيا ومصر والإمارات والوصول لطاولة المفاوضات وإنهاء الحرب، فقد رأينا نجاح دول عربية قبل ذلك في تحقيق عملية تبادل الأسرى، فمن الممكن النجاح أيضا في الوصول إلى حلول توقف الحرب".
أما بشأن الرسالة الأمريكية الأخيرة عبر القاهرة، فيرى أن فحواها حول الأزمة الروسية الأوكرانية، مشيرا إلى سفر وزير الخارجية المصري بشكل عاجل إلى روسيا بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي مباشرة للقاء نظيره بموسكو، كلها مؤشرات للوصول إلى سلام.