خيار الحرب أم خيار السلم في المنطقة، خطاب الحوار أم قرار المواجهة السياسية والعسكرية؟
منذ هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عرف الجميع أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة ومختلفة، وأيقنّا أن ما قبل ذلك اليوم لن يكون كما بعده، فقد وضعت حماس الجميع أمام خيارات صعبة بهجومها على إسرائيل وأعطت لإسرائيل المبرر والذريعة لفعل كل ما تريده من تدمير وقتل وتهجير للشعب الفلسطيني وأعطت الذريعة للغرب وحلفاء إسرائيل بدعم قراراتها بحجة حق الدفاع عن النفس، وأعطت الذريعة للآخرين من دول ومؤسسات ومنظمات دولية بالصمت على جرائم إسرائيل عجزاً أو خوفاً، أما العرب فلم يكونوا في وضع أفضل ولم يكونوا في رفاهية من اتخاذ القرار، فقد وضعتهم حماس أمام الأمر الواقع دون أن تستشير أحداً في قرارها أو تُعلم أحداً بخططها، فانقسم العرب بين مؤيد لحماس وقراراتها بالحرب والمقاومة وانطلاق المعركة الكبرى "لتحرير فلسطين"! وبين معارض للطريقة التي شنت بها حماس ذلك الهجوم الذي أدى إلى كارثة كبيرة وخسائر إنسانية ومادية وهي غير مستعدة وغير قادرة على مواجهة الرد الإسرائيلي المدعوم مالياً وعسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً من الولايات المتحدة والغرب.
الخيارات الصعبة أيضا كانت أمام حزب الله؛ هل يشارك في الحرب التي بدأتها حماس أم يكتفي بالمراقبة؟ ويبدو أن حزب الله اختار سريعاً أن يكون طرفاً في الحرب ويجر لبنان بأكمله في هذه الحرب الصعبة من جهة والقذرة من جهة أخرى، واليوم يدفع لبنان ثمن قرار حزب الله المشاركة في حرب غير متكافئة شجعتها طهران على الانخراط فيها، فدفع الحزب أغلى ثمن لقراره وهو اغتيال زعيمه حسن نصر الله بعد اغتيال جميع كبار قادة الحزب، ولا يزال لبنان حتى اليوم يدفع ثمن قرارات حزب الله باجتياح إسرائيل للجنوب وقصف مناطق في بيروت ولبنان بشكل عام، ليذهب المئات من الأبرياء ضحايا لذلك القرار الذي اتخذه حزب الله قبل عام.
نظام إيران الطرف المحرض على العنف في المنطقة والداعم المالي والعسكري لحزب الله وللحوثيين والداعم للمليشيات الإرهابية في المنطقة وجد نفسه متورطاً في هذه الحرب على الرغم من أنه منذ اليوم الأول يحاول أن يظهر للعالم وكأنه بريء ولا علاقة له بما يحدث في المنطقة وبأنه لم يحرض حماس وأنه لا يدفع حزب الله للمشاركة، لكن العالم لم يقتنع بالتقية الإيرانية، فوجد النظام نفسه في عين العاصفة ولم ينجُ هذه المرة من الانتقاد واللوم الدولي فضلاً عن لوم جماهيره الذين اتهموه بالتخاذل وعدم المواجهة والتنصل من شعاراته ووعوده "بالرد القاسي"، وبالتالي قرر المشاركة في اللعبة حفاظاً على ماء الوجه، وبعد هجومه يوم الأول من أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل بأكثر من مئتي صاروخ أصبح أمام خيارين صعبين؛ إما استمرار المواجهة واستقبال الرد الإسرائيلي والذي يبدو أنه سيكون موجعاً وقد يستهدف مفاعله النووي، وإما التراجع تماماً والجلوس لأول مرة إلى طاولة الحوار وتغيير سياساته بشكل كامل والتخلي عن دعم المليشيات الإرهابية والدخول في حالة سلام مع إسرائيل ودول المنطقة، فالنظام الإيراني يعرف اليوم أنه الطرف الأضعف في معادلة الصراع ليس أمام إسرائيل وإنما أمام الغرب أيضاً.
عام من الخيارات الصعبة يبدو أنه لم ينتهِ بعد، فالأيام المقبلة لا تزال حبلى بالمفاجآت، وعلى كل طرف أن يتحمل قراراته ويحدد خياراته للمستقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة