أدركت دولة الإمارات إمكانات الذكاء الاصطناعي في وقت مبكر لذلك سعت إلى ترك بصمتها على الساحة العالمية بوصفها من الرواد في هذا المجال.
فأطلقت استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، وعينت أول وزير للذكاء الاصطناعي في العالم، وهي تهدف اليوم إلى تعزيز أداء الحكومة وكفاءتها بالاعتماد على هذه التقنية.
لقد كان تعيين أول وزير للذكاء الاصطناعي في عام 2017 دلاله مهمة على التزام البلاد وتصميمها في هذا المجال وسعيها إلى الارتقاء بالأداء الحكومي على جميع المستويات وقد شملت محاور استراتيجية الذكاء الاصطناعي تشكيل مجلس الذكاء الاصطناعي للدولة، وتنمية القدرات ورفع المهارات وإصدار قانون حكومي بشأن الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي.
وقال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم إمارة دبي: "الذكاء الاصطناعي هو الموجة الجديدة بعد الحكومة الذكية التي ستعتمد عليها خدماتنا وقطاعاتنا وبيئتنا التحتية المستقبلية".
إن المرحلة التالية التي تطمح دولة الإمارات إلى تحقيقها هي أن يكون الذكاء الاصطناعي في صميم خططها ومبادراتها ، وبالفعل تم تعزيز الاستراتيجية من خلال دعم مجلس الوزراء لاستراتيجية الإمارات الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031 ووضع البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي الذي يتضمن تحقيق ثمانية أهداف بما فيها إنشاء حاضنة لابتكارات الذكاء الاصطناعي وتوظيف الذكاء الاصطناعي في خدمة المتعاملين وتوفير البنية التحتية القائمة على البيانات لدعم تجارب الذكاء الاصطناعي.
وتشير التقديرات إلى أن اعتماد دولة الإمارات للذكاء الاصطناعي من شأنه أن يساعد الحكومة في تحقيق وفورات بنسبة 50% مما يسهم في تقليص التكاليف في قطاعات الخدمات العامة مثل التعليم والنقل وغيرهما من القطاعات الأخرى.
لقد سارع القطاع العام في الدولة إلى تبني الذكاء الاصطناعي حيث عمل على تطوير حالات الاستخدام لكل العمليات الخاصة بالمتعاملين بشكل مباشر وغير مباشر، حيث عملت هيئة الطرق والموصلات في دبي على إنشاء منصة قائمة على الذكاء الاصطناعي لأنظمة المؤسسة الداخلية، ولجأت إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في تشغيل الكاميرات الذكية بهدف رصد المركبات التي تستخدم المسارات المخصصة للحافلات.
لذلك يعتبر الذكاء الاصطناعي من العناصر الأساسية لأتمتة خدمات مترو دبي التي تغطي مخطط الرحلات وبالإشارة إلى مخاطرها والوقاية منها وبحلول أواخر عام 2018 تمكنت النظام من خفض التكاليف التشغيلية بنسبة 7% وتحسبن الدقة في المواعيد بنسبة 6.4%.
كما أطلق قطاع الرقابة التجارية وحماية المستهلك في دائرة التنمية الاقتصادية خدمة الحماية الذكية في أواخر عام 2018 وذلك بهدف الاستجابة لشكاوى المستهلكين والرد على استفساراتهم والتفاعل كما أطلقت دبي مركزًا متخصصًا في الذكاء الاصطناعي بهدف تعزيز الابتكار في هذا المجال وتقديم الدعم للقطاعين الحكومي والخاص.
المركز يهدف إلى تسريع تبني الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة مثل الرعاية الصحية، التعليم، النقل، والخدمات الحكومية.
وفي عام 2018 أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة في الإمارات مختبراً للذكاء الاصطناعي من أجل رصد معدلات جودة الهواء في مختلف أنحاء الدولة والتنبؤ بها ، كما افتتحت دائرة الصحة في أبوظبي مختبر الذكاء الاصطناعي في يناير/كانون الثاني 2019 وأطلقت أكاديمية الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع كليات التقنية في شهر أبريل/نيسان 2019.
كما تعمل دولة الإمارات على تطوير مشاريع سيارات ذاتية القيادة وطائرات دون طيار لتوفير حلول نقل مبتكرة، وتستخدم الذكاء الاصطناعي في تحسين الرعاية الصحية من خلال تحليل البيانات الطبية وتقديم تشخيصات دقيقة، وتحسين تجربة التعلم من خلال تخصيص المناهج الدراسية بناءً على احتياجات كل طالب، وتحسين كفاءة الخدمات الحكومية، مثل الروبوتات التي تقدم خدمات في مراكز الخدمة.
كذلك تعمل دولة الإمارات على تعزيز التعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال شراكات مع دول ومؤسسات عالمية، وتستضيف الدولة مؤتمرات وفعاليات دولية متخصصة في الذكاء الاصطناعي، مثل "قمة الذكاء الاصطناعي العالمية" التي تجمع خبراء من مختلف أنحاء العالم لمناقشة أحدث التطورات والتحديات.
وتسعى دولة الإمارات بشكل مستمر لتطوير الكفاءات الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال برامج تدريبية وتعليمية. على سبيل المثال، أطلقت الدولة "جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي" في أبوظبي، وهي أول جامعة للدراسات العليا المتخصصة في الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم.
كما تستثمر بشكل كبير في البحث والتطوير في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات وإنترنت الأشياء وتولي أهمية كبيرة لمسألة الأمن والحوكمة في مجال الذكاء الاصطناعي وتطور بشكل كبير في الشركات الناشئة المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا وتقدم تسهيلات ودعماً للشركات الناشئة من خلال حاضنات ومسرعات الأعمال.
إن دولة الإمارات تواصل جهودها محاولة الاستفادة من قدرات وإمكانات الذكاء الاصطناعي في توظفيه في مختلف المجالات والقطاعات سواء الخاص أو العام مع وضع أطر وتدابير قوية محاولة تشجيع الاستخدام الأخلاقي والمتكافئ للذكاء الاصطناعي وتوفير بيئة مهمة وسهلة ومواتية وخلاقة للابتكار.
لقد اعتمد الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي في هذا العام تعيين 22 رئيسياً تنفيذياً للذكاء الاصطناعي في الجهات الحكومية ضمن رؤية شاملة محورها الوصول إلى المركز الأول عالمياً في العمل الحكومي مما ينعكس بشكل إيجابي على المبادرات الهادفة للارتقاء بجودة الحياة في المجتمع.
كما أعلنت شركة ما مايكروسوفت عن توسيع نطاقها في دولة الإمارات ورفع الستار عن أول مركز عالمي للتطوير الهندسي من نوعه وسوف يتم افتتاحه في أبوظبي لنشر ابتكارات الذكاء الاصطناعي والتقنيات السحابية وحلول الأمن السيبراني المتقدمة.
يأتي الإعلان عن افتتاح مركز التطوير الجديد ضمن إطار سلسلة ضخمة من الاستثمارات التي سوف يتم ضخها لتعزيز مكانة دولة الإمارات كحاضنة للابتكار التكنولوجي.
ولقد أكد الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي أن الإمارة قد أصبحت مركزاً رائداً للابتكار من خلال مواصلة دعم وتعزيز الجهود العالمية في الذكاء الاصطناعي وتبني الحلول الطموحة والمتطورة في المجال الرقمي بما يسهم في تحقيق تأثير إيجابي في مختلف القطاعات الحيوية والارتقاء بجودة حياة أفراد المجتمع.
إن دولة الإمارات تسير بخطى ثابتة نحو الاستفادة القصوى من تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، وتتبنى رؤية طموحة تهدف إلى جعل الذكاء الاصطناعي جزءاً أساسياً من الاقتصاد والمجتمع بحلول عام 2031.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة