تشهد المنطقة العربية، مرة أخرى، تصاعدًا خطيرًا في التوترات بعد مقتل زعيم حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، في ضربة إسرائيلية.
هذه الحادثة، التي تشكل نقطة تحول في مسار الصراع في المنطقة، تُعيد فتح ملفات الصراع القديم الجديد بين إيران وإسرائيل، كما تطرح تساؤلات خطيرة حول مستقبل الأمن والاستقرار في المنطقة، خاصة في ضوء التقارير المتزايدة حول تورط إيران في عمليات تصعيدية.
وفي خضم الأحداث المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، يجد المراقب نفسه أمام مشهد سياسي وأمني بالغ التعقيد، يحمل في طياته تداعيات استراتيجية قد ترسم ملامح المنطقة لعقود مقبلة.
فمقتل شخصيات محورية مثل حسن نصر الله وإسماعيل هنية يمثل زلزالاً سياسياً وأمنياً لن تقتصر ارتداداته على لبنان وفلسطين فحسب، بل ستمتد لتشمل المنطقة بأسرها.
مقتل نصر الله، بصفته رمزًا بارزًا فيما يسمى بـمحور المقاومة، يُعد خطوة تصعيدية كبيرة من جانب إسرائيل، تستهدف كبح النفوذ الإيراني المتنامي في لبنان وسوريا.
حزب الله، بقدراته العسكرية الكبيرة وصلاته العميقة بإيران، يمثل رأس الحربة في هذا المحور ضد إسرائيل. من هنا، فإن مقتل نصر الله يفتح الباب أمام تصعيد لا محالة من حزب الله، الذي يعتبر أن زعيمه يمثل حالة رمزية ذات ثقل في الصراع المستمر مع إسرائيل.
على المستوى اللبناني، سيكون لمقتل نصر الله تأثيرات سياسية واجتماعية عميقة، قد يسهم في تعميق الانقسام الداخلي، ويُثير تساؤلات حول استقرار البلاد في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي يمر بها لبنان.
في الوقت نفسه، تشير تقارير استخباراتية إلى تورط إيران في عملية مقتل إسماعيل هنية، على الرغم من أن إيران طالما اعتُبرت حليفًا لحركة حماس، إلا أن علاقات الطرفين قد شهدت توترات في السنوات الأخيرة.
هذه التطورات تدفع المراقبين إلى التفكير فيما إذا كانت إيران تحاول بسط نفوذها على حماس بشكل مباشر، أو أن هناك تنسيقًا مع إسرائيل لتحقيق أهداف مشتركة في المنطقة، خاصة في ظل رغبة إسرائيل في تقليص نفوذ حماس بالتوازي مع تقييد قدرات حزب الله.
وإيران منذ سنوات تسعى لتحقيق نفوذ أكبر في المنطقة العربية، خاصة في منطقة الخليج العربي. من خلال سياسات التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج، ومحاولات دعم حركات المعارضة، تتطلع إيران إلى بسط هيمنتها على المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية والاستراتيجية.
طموحات إيران تمثل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار الإقليمي، خاصة أن القوى الخليجية تعتبر أن أمن المنطقة مرتبط بشكل مباشر بمواجهة النفوذ الإيراني.
ودولة الإمارات العربية المتحدة، بدورها، تلعب دورًا مركزيًا في الحفاظ على استقرار الخليج العربي، وذلك من خلال مواقفها السياسية والعسكرية القوية، وسعيها الدائم لتحقيق التوازن بين القوى الكبرى في المنطقة.
فالقيادة الإماراتية لطالما كانت واضحة في سياساتها الداعمة للسلام، لكن في الوقت ذاته لا تتوانى عن اتخاذ المواقف الصارمة في مواجهة أي تهديد لأمن المنطقة.
وفي خضم هذه الأحداث المتسارعة، يبرز دور دولة الإمارات كعامل استقرار وتوازن في المنطقة، فرؤية دولة الإمارات تقوم على:
- الدعوة للحوار وتخفيف التوتر بين جميع الأطراف.
- العمل على حماية أمن الخليج العربي من أي تهديدات خارجية.
- تعزيز التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات المشتركة.
تسعى الإمارات من خلال دبلوماسيتها النشطة إلى:
1. تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة.
2. دعم الجهود الدولية لاحتواء الأزمة وتجنب التصعيد العسكري.
3. تعزيز التنمية الاقتصادية كسبيل لتحقيق الاستقرار الإقليمي.
إسرائيل، بعد مقتل نصر الله، قد تجد نفسها مضطرة لمواجهة عواقب ردود الفعل من حزب الله. فالقدرات العسكرية لحزب الله، إلى جانب دعمه من إيران، تجعل من لبنان ساحة محتملة لمواجهة عسكرية كبيرة قد تتجاوز حدود لبنان وتطال سوريا وحتى إسرائيل ذاتها.
وقد شهدنا سابقًا كيف أن التصعيد بين الطرفين يؤدي إلى حرب واسعة النطاق، ما قد يؤدي إلى كارثة إنسانية جديدة في المنطقة، تُضاف إلى الأزمات التي تعصف بالشرق الأوسط.
فلسطين أيضًا ليست بمنأى عن هذا التصعيد، إذ أن إسرائيل قد تسعى لتوجيه ضربات لحركة حماس والجهاد في غزة، كجزء من استراتيجية عسكرية واسعة تهدف إلى تقويض نفوذ إيران في المنطقة، وفرض نفسها كقوة لا تقهر.
وفي ظل هذا المشهد المتأزم، تلعب دولة الإمارات دورًا حيويًا في الحفاظ على استقرار المنطقة. من خلال سياساتها المتوازنة التي تجمع بين الدبلوماسية الصارمة والقوة العسكرية عند الضرورة، تسعى الإمارات إلى حماية أمن الخليج العربي، والحفاظ على مصالحها الوطنية والإقليمية.
الإمارات تدرك جيدًا أن الاستقرار في المنطقة لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التوازن بين القوى الكبرى، ومن خلال محاربة الإرهاب والتطرف، والعمل على وقف التدخلات الخارجية التي تهدف إلى زعزعة أمن المنطقة. ولذلك، من المتوقع أن تواصل الإمارات، بالتنسيق مع السعودية ومصر، جهودها الدبلوماسية للحيلولة دون وقوع حرب شاملة بين إيران وإسرائيل، والعمل على تهدئة الأوضاع في لبنان وفلسطين.
وما زال السؤال الأساسي الذي يشغل أذهان المراقبين هو: إلى أين تتجه الأمور بعد اغتيال حسن نصر الله؟ هل نحن أمام حرب إقليمية جديدة قد تؤدي إلى انهيار كامل للنظام الإقليمي؟ أم أن الجهود الدبلوماسية، التي تقودها الإمارات بشكل رئيسي، قادرة على منع تفاقم الأزمة؟
العديد من السيناريوهات تلوح في الأفق. الأول هو أن التصعيد العسكري بين حزب الله وإسرائيل قد يؤدي إلى نزاع طويل الأمد، خاصة مع وجود دعم إيراني كبير لحزب الله. السيناريو الثاني هو احتمال التوصل إلى اتفاق مؤقت لوقف التصعيد، بفضل تدخل دولي وإقليمي، لكن هذا الاتفاق سيكون هشًا ويعتمد على تغيرات سياسية داخلية في لبنان وإسرائيل.
في هذا السياق، يُطرح تساؤل مهم حول قدرة الدول العربية، وخاصة دول الخليج والإمارات على لعب دور فعال في منع إيران من تحقيق طموحاتها التوسعية في المنطقة. الإمارات تتمتع بعلاقات دولية قوية، وهي قادرة على استخدام نفوذها في المحافل الدولية لتوجيه الجهود نحو الحلول السلمية، والعمل على تحجيم الدور الإيراني الذي يهدد استقرار المنطقة.
الوضع في المنطقة العربية بعد مقتل حسن نصر الله يتجه نحو مزيد من التصعيد والتوتر. وإيران تسعى لاستغلال الفراغ الذي قد يحدث في القيادة الشيعية اللبنانية، وتحاول تعزيز نفوذها في المنطقة، بينما إسرائيل تجد في هذه اللحظة فرصة لضرب حركات «المقاومة المسلحة».
ووسط هذا المشهد المعقد، تقف الإمارات كمحور رئيسي في الجهود الرامية إلى الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، عبر سياسات تجمع بين الحزم والمرونة، وتدعو إلى حل النزاعات بالطرق السلمية، دون التنازل عن أمن الخليج العربي ومصالحه الاستراتيجية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة