"الغضب الأصفر" والإرهاب بفرنسا.. سواد يغلف 2018
عام صعب بكل المقاييس على بلد اعتقد مسؤولوه لوهلة أن 2018 سيمر معافى من تسونامي الإرهاب الذي يضربه منذ سنوات.
احتجاجات اجتماعية دامية في فرنسا، تخللها هجوم إرهابي، أسدلت ستارا قاتما على 2018، لتعبر البلاد نحو العام المقبل مثقلة بفاتورة باهظة لـ"الغضب الأصفر" والإرهاب.
عام صعب بكل المقاييس على بلد اعتقد مسؤولوه لوهلة أن 2018 سيمر معافى من تسونامي الإرهاب الذي يضربه منذ سنوات، غير أن إحداثيات الواقع قلصت منسوب التفاؤل إلى أدناه، وجعلت العام ينساب نحو نهايته حاملا في جرابه الكثير من النقاط السوداء، وهو ما ترصده "العين الإخبارية" في السطور التالية.
"السترات الصفراء".. غضب يبعثر موازنة فرنسا
احتجاجات حركة "السترات الصفراء" التي اجتاحت فرنسا منذ 17 نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، تنديدا برفع أسعار الوقود، فرضت حسابات جديدة يتفق خبراء على أن زيادة عجز الموازنة يعد أبرز تجلياتها.
حركة بدأت شعبية تلقائية، قبل أن يتم اختراقها من أحزاب أخرى، لتتوسع مطالبها من اجتماعية إلى سياسية.
وبإقرار الرئيس إيمانويل ماكرون، جملة من التدابير لمواجهة الأزمة، بدا من الواضح أن موازنة 2019 ستشهد عجزا قد يحملها إلى مستوى دون المطلوب وفق معايير الاتحاد الأوروبي.
ويقدّر خبراء الاقتصاد بأنه من الممكن أن تصل كلفة تلك التدابير إلى 11 مليار يورو (أي ما يعادل نحو 12.5 مليار دولار)، وهذا رقم هائل بالنسبة لموازنة العام المقبل.
فمع رفع الحد الأدنى للأجور، وإلغاء الضرائب على ساعات العمل الإضافية، وإلغاء زيادة الضريبة المفروضة على المتقاعدين (ممن يتقاضون أقل من ألفي يورو)، تبدو باريس عاجزة، لمرة أخرى، عن الحفاظ على عجز الموازنة تحت نسبة 3 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي، الذي تفرضه قواعد الاتحاد الأوروبي التي تحكم العملة الأوروبية الموحدة.
وحتى قبل الاحتجاجات، خفضت الحكومة الفرنسية توقعات عجز ميزانيتها للعام المقبل إلى 2.8 بالمائة، في وقت يرى فيه خبراء أنه من المرجح أن تزيد الاجراءات التي أعلنها ماكرون عجز الموازنة إلى نسبة تتراوح بين 3 و3.5 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي.
الإرهاب
الهجوم الإرهابي الذي استهدف مؤخرا، سوقا لعيد الميلاد بمدينة ستراسبورغ، شمال شرقي فرنسا، وأسفر حتى الآن عن مقتل 5 أشخاص، وإصابة آخرين، فاقم من العباءة القاتمة التي غلفت نهايات العام الجاري.
ضربة ستكون لها أيضا كلفة اقتصادية باهظة، سواء على مستوى الخسائر المسجلة بالنسبة للتجار ممن يعولون بشكل كبير، على نهايات العام، لزيادة أرقام معاملاتهم، أو على السياحة بشكل عام، هذا القطاع المتضرر أصلا من الإرهاب، والذي بدأ يتحسس خطاه نحو التعافي قبل أن يكبو من جديد.
في 11 نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، أعلن لوران نينيز، كاتب الدولة (وزير مساعد) للشؤون الداخلية بفرنسا، في مقابلة مع صحيفة "لو جورنال دو ديمانش"، أن سلطات بلاده أحبطت، في 5 سنوات، 55 مخططا لشن هجمات إرهابية بالعاصمة باريس.
ومنذ يناير/ كانون ثان الماضي، أي مطلع 2018، أشار نينيز، وهو المدير السابق للمخابرات التابعة للداخلية الفرنسية، أن قوات بلاده أحبطت 6 هجمات.
تهديدات تجعل السلطات مجبرة على رفع نفقاتها الأمنية، وهو ما شكل ضغطا إضافيا على موازنتها السنوية، وقدرتها على تلبية معايير الاتحاد الأوروبي فيما يخص العجز على هذا المستوى، خصوصا أن البلد يقف على صفيح ساخن، يتهدده بالإرهاب في كل لحظة.
ففي 23 مارس/ آذار الماضي، استولى مسلح في بلدة تريب جنوب غربي فرنسا، على سيارة وفتح النار على الشرطة، ثم احتجز رهائن في متجر قبل أن تقتله الشرطة، في هجوم أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عنه.
بعد ذلك، وتحديدا في أغسطس/ آب، قتل مسلح أمه وشقيقته طعنا، في حادثة قال وزير الداخلية الفرنسي جيرارد كولومب في حينه، إن الجاني "كان معروفاً بكونه مدافعاً عن الإرهاب".
ومع أن "داعش" تبنى عملية الطعن، إلا أن مكتب مكافحة الإرهاب في باريس لم يفتح تحقيقاً بتفاصيل الهجوم، خلافا لما هو معتاد حين تتوفر إشارات توحي بوجود صلة بعمل إرهابي، وهو ما عزاه البعض إلى رغبة السلطات، قدر الإمكان، في إظهار الحادث على أنه "جنائي"، حماية للسياحة.
الضرائب.. إشكال وحل
الضرائب كانت هي المعضلة التي تسببت بتراجع المقدرة الشرائية للفرنسيين، وهي نفسها الحل الذي هرعت إليه الحكومة، لإنقاذ موازنتها المقبلة من خلل ناجم عن فجوة هائلة بين الإيرادات والنفقات.
فعلاوة على العجز المتوارث من عام لآخر، طرح تمويل التدابير المعلنة لفائدة المحتجين إشكالا جسيما، يبدو أن الحكومة بصدد حله عبر الضرائب أيضا.
وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي، برونو لومير، أعلن أن بلاده ستشرع، بدءا من مطلع 2019، في فرض ضرائب على كبرى الشركات الرقمية، على غرار غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون وغيرها.
وبقرارها، تستبق باريس أي اتفاق محتمل بهذا الخصوص على مستوى الاتحاد الأوروبي.
غير أن الـ500 مليون يورو، والتي من المنتظر أن تشكل قيمة الرسوم المفروضة طيلة العام على عمالقة الشركات الرقمية، ستكون مفتاح حل أزمة الموازنة للعام المقبل، ما سيزيح عبئا كبيرا من على كاهل الحكومة، ويمنحها هامشا أكبر للتحرك.