بالصور.. زيارة العيدروس في عدن "طقس" مستمر منذ 560 عاما
منذ نحو 560 عاما، ثمة طقس ديني درج أهالي مدينة عدن اليمنية على ممارسته، ولم يتخلفوا عن إحيائه كل عام، كأحد الهويات المميزة للمدينة.
زيارة العيدروس احتفالٌ سنوي يقيمه سكان ضاحية كريتر بمدينة عدن، إحياءً لذكرى وصول أحد أبرز مشائخ الطرق الصوفية في اليمن، الإمام أبو بكر بن عبدالله العيدروس، إلى عدن قادمًا من مدينة تريم في حضرموت، شرقي البلاد.
وتميز الإمام العيدروس، وفقا لمؤرخين، بتقديم مدرسة صوفية "معتدلة"، كما كان يتبنى مواقف إصلاحية بطولية في مخاطبة الحكام، وكذا مواجهة الاحتلال البرتغالي للسواحل اليمنية قبل نحو 600 عام، وحشد المواطنين لمقاومتهم.
وكانت الطقوس الاحتفائية بالعيدروس قد تراجعت خلال السنوات الأخيرة عقب تعرض الطرق الصوفية لهجوم فكري من قبل فصائل دينية متشددة، شنت هجمات تشويه ضد المدرسة الصوفية المعتدلة في عدن، لكنها ما لبثت أن عادت من جديد، لتؤكد أن جذورها ثابتة وباقية.
وتقول المتخصصة في تاريخ الحضارة الإسلامية بقسم الآثار في كلية الآداب بجامعة عدن، الدكتورة وفاء مكاوي: "آلاف الزائرين يُممون وجهتهم شطر مسجد العيدروس في كريتر، في أول جمعة من شهر ربيع الثاني من كل عام، حيث جثمان الشيخ الإمام الذي سمي المسجد باسمه مدفون هناك".
وتضيف مكاوي لـ"العين الإخبارية": "اعتاد الزائرون من جميع أنحاء العالم على زيارة مسجد الشيخ منذ أن كان إمامًا يؤمّ المصلين ويلقي دروس العلم الفقهية، التي يقصدها الطلاب من أصقاع الدنيا، واستمر هذا الطقس حيًا بعنفوانه على مدى 6 قرون متواصلة".
وتؤكد مكاوي أن الزيارة والزائرين لاقوا الكثير من المضايقات، التي تبناها أصحاب الأفكار الدينية المتشددة والمتطرفة في عدن، منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي؛ مما أثر في توافد الناس وإحيائها، إلا أن السنوات الأخيرة أكدت تشبث هذا الطقس بالهوية العدنية، ورفضه الاندثار أو التلاشي بكل ما يحمله من دلالات دينية وتاريخية.
ولفتت إلى أن مسجد العيدروس يحتضن الرباط التعليمي الذي تتخرج منه في كل عام دفعة جديدة من طلبة العلم، من اليمن ودول شرق آسيا وأفريقيا، والذي يعد معقلاً للجماعة الصوفية في مدينة عدن.
وتشير المتخصصة في التاريخ الإسلامي إلى أن هذا الاحتفال أو الزيارة السنوية لم تقتصر على دلالتها الدينية فقط، بل أصبحت ذات أبعادٍ اجتماعية واقتصادية وإنسانية، ارتبطت بشخصية الشيخ الصوفي الإمام أبو بكر العيدروس.
فبحسب المؤرخين، كانت مناسبة الزيارة السنوية تعقد خلال حياة الإمام العيدروس بعدن، حيث كان يعيد هذه الذكرى، ويجري فيها من العادات الحسنة ما يعود بالنفع على المحتاجين والفقراء، مثل توزيع كسوة سنوية على المعوزين.
وتؤكد الدكتورة مكاوي أن أهالي عدن يعطون هذه الزيارة حقها، من خلال الاستعداد لها بتزيين وإضاءة الشوارع والأحياء المؤدية إلى مسجد العيدروس، وتوزيع الحلويات والتمور والهدايا على الأطفال والمحتاجين.
كما تمثل الزيارة فرصة لطلب الرزق، بالنسبة للكثير من العائلات والباعة والتجار، الذين يستعدون لها بتجهيز الحاجيات والمواد الاستهلاكية التي يحتاجها الزوار خلال أدائهم طقوس الزيارة، وهي بذلك تحقق أهدافها الدينية والاجتماعية والاقتصادية، وفقًا للدكتورة مكاوي.
وعلى مدار 600 سنة تقريباً ما زالت مدينة عدن تحيي ذكرى قدوم هذا العالم إليها، وفاءً من أبناء المدينة لما قدمه من خدمات جليلة في نشر العلم والتعليم والعلوم الدينية والتشريعية والفقهية، ودوره الكبير في الإصلاح الاجتماعي وكفالة الأيتام ورعاية ذوي الحاجة من الفقراء والمساكين.