التحول السياسي، الذي دشنته الشرعية اليمنية، بإعلانها تشكيل المجلس الرئاسي، يتجاوز في مضامينه الاستراتيجية مسألة التكتلات والتجمعات السياسية.
ويتعدى صيغ الائتلافات المعتادة بين مجموعة من القوى السياسية والحزبية المتنافسة أو المتوافقة، إنه مشروع وطني طالما احتاج إليه اليمن واليمنيون ليكون حاضنة ومنطلقا لإنهاء الوضع المخيف، المتمثل في تمرد وانقلاب الحوثي الإرهابي، ليس على الشرعية فحسب، بل تمردٌ على عروبة اليمن وتاريخه ودوره وموقعه الجيوسياسي، خدمة لأجندة خارجية مناقضة في شكلها ومضمونها وأهدافها لحاضر اليمن وشعبه ومستقبله وثقافته ضاربة الجذور في عمق التاريخ والحضارة العربية والإسلامية.
بقدر ما أشاع الوجه الجديد للشرعية اليمنية، المتمثل في المجلس الرئاسي، من مناخات مبشرة للشعب اليمني، فإنه مثقل بالمسؤوليات متعددة السياقات، ليس أقلها القدرة على المحافظة على هذا الجسم السياسي الوطني موحدا، كونه عنواناً لمرحلة يمنية مغايرة لما كانت عليه الأوضاع قبل تبلوره، وهذا يمثل جوهر الأهداف الاستراتيجية لدور المجلس ووظيفته، التي يتطلع إليها اليمنيون على الصعيدين الداخلي والخارجي، داخلياً عبر خطين، الأول كونه أكثر الرسائل تعبيرا ودلالة باتجاه مليشيا الحوثي، بأن الشرعية اليمينة تنبثق من رحم أبنائها الوطنيين المخلصين لعروبتهم والحريصين على استقرار بلدهم وأمن ومصالح أشقائهم في الجوار وفي عموم المنطقة العربية، ويرفضون الارتهان لمشاريع خارجية غريبة الشكل والفحوى والأهداف.
أما الخط الثاني على المستوى الداخلي فمرتبط بشكل عضوي بضرورة العمل لطمأنة الشعب اليمني بأن مرحلة جديدة من الاستقرار والسلام انطلقت من عدن تحت عنوان "التوافق والشراكة"، والتركيز على توحيد الجهود المشتركة لمفاصل الهيئات التنفيذية والحكومية والخدمية التي يجري تشكيلها من أجل معالجة الاحتياجات الملحة لليمنيين على الصعد الخدمية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، والإفادة من الرعاية والدعم السياسي والاقتصادي، الذي تقدمه الإمارات والسعودية بهدف المحافظة على هوية اليمن وانتمائه وإعادة الأمن والأمان إلى ربوعه والإسهام الفعلي المباشر في ازدهاره.
أما على الصعيد الخارجي، فملخص رسائله أن الأطماع الخارجية ومحاولات اختراق وحدة اليمن واستغلاله في إحداث خروقات على مستوى الإقليم باتت من الأمس، وأن الصوت اليمني بات موحدا في وجه محاولات تحويله، أو تحويل جزء منه، إلى منصة استفزاز أو تهديد أو ابتزاز.
إنها معركة سياسية وطنية لاستعادة الدولة اليمنية بجميع مقوماتها ومؤسساتها ووظائفها وتثبيت هويتها في حاضنتها الخليجية والعربية، وإنهاء الوضع المنفلت، الذي تمثله مليشيا الحوثي الإرهابية على المستويات السياسية والأمنية والاجتماعية. عوامل نجاح مهمة الشرعية اليوم متضافرة كما لم يكن لها في مراحل سابقة وأبرزها الدعم العربي والإقليمي والدولي.
الملف الداخلي، اقتصاديا واجتماعيا وخدميا، مثقل بالتحديات بلا شك، بيد أن معيار النجاح الفعلي للمجلس الرئاسي الجديد يكمن أيضا في براعته المطلوبة لإدارة ملف التعاطي مع الانقلاب الحوثي بأبعاده الميدانية والسياسية الأمنية وامتداداته الخارجية والقدرة على إخضاعه لمتطلبات السقف الوطني دون غيره.
مهمة شاقة لكنها ليست مستحيلة التحقيق في ظل البيئة العربية والدولية الداعمة للشرعية من جانب، والمنخرطة في عملية الدفع نحو ضفاف الأمن والسلام على الأرض اليمنية من جانب آخر.
من الطبيعي أن يلتقط "الحوثي" إشارات الهزيمة الأولية في المضمار السياسي بعد تبلور جسم وطني يمني شرعي موحد معزز بمواقف داخلية وإقليمية ودولية ترمي إلى إنهاء الحرب الدائرة منذ سنوات سبع.
موازين القوى ستشهد تغييرا حتميا في المرحلة المقبلة غير البعيدة بسبب وحدة القوى الوطنية اليمنية تحت غطاء الشرعية، ففي حال تعنتَ الحوثي ورفضَ الانخراط الفعلي في عملية السلام المنشود ولجأ إلى مناوراته الممجوجة، فسيجد نفسه أمام ضغط داخلي ودولي مغاير لما كانت عليه الحال قبل تشكيل المجلس الرئاسي الجديد، داخليا سيضع نفسه في مواجهة الشعب اليمني، الذي بات أكثر معرفة ودراية بحقيقة أساليبه وأهدافه غير الوطنية، وخارجيا سيجد أن ادعاءاته لم تعد تنطلي على المجتمع الدولي بعد انكشافه في جميع اختبارات جهود السلام، مما سيقلص مساحة مناوراته ويضعف في الوقت ذاته قدرة داعميه الخارجيين على الاستمرار في تغطيته.
الوقت والمُناخ السائد اليوم لا يصبّان في مصلحة "الحوثي". لقد وضَعَه اليمنيون في مواجهة ذاته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة