"المتحري" واليمن.. لماذا تنكأ الجزيرة جراح الماضي؟
"متحري الجزيرة" عما اعتبرهم "الإخوة الأعداء".. حلقة جديدة من حملات الاستهداف التي ينظمها الإخوان باليمن ضد الشرعية والمجلس الانتقالي بشكل خاص.
كما أنها محاولة خبيثة لتلقين الجيل الجديد الذي تجاوز صراعات الأمس جرعة شحن مناطقي، هي كل ما سعى "المتحري" وفريقه لتحقيقه كهدف أساسي لهذا العمل التلفزيوني التحريضي. ويعد الهدف الرئيس من جهد فريق المتحري، الذي قال إنه عمل على المحتوى مدة عامين، إلا أنه إحياء فتنة قديمة بين الجنوبيين، لصالح الإخوان، حيث جاء توقيت الفيلم في سياق حملة إخوانية منظمة ضد الجنوب والمجلس الانتقالي،وفقا لمراقبين وخبراء.
ويعمل التنظيم الدولي للإخوان بجهد واضح لتدارك انهيارات فرعه في اليمن، الذي يخسر سيطرته العسكرية التي حاول فرضها خلال سنوات الانقلاب.
وبجانب خلايا الإخوان التي صعّدت من حملاتها ضد الجنوب وقواته التي تواصل الحرب ضد الإرهاب بشقيه الإخواني والحوثي، خرجت قناة "الجزيرة" القطرية، لتسند هذه الحملات كما هو حال الأقلام الإخوانية التي تتخذ من الدوحة وغيرها مقرا لنشاطها ضد الشرعية وضد أبناء الجنوب.
ولأن خسارة الوجود والنفوذ الإخواني في الجنوب يمثل خسارة فادحة للتنظيم الدولي، فإن الحملات تزامنت مع معركة تطهير شبوة من مليشيات الإخوان التي يمثلها في اليمن بشكل علني، حزب الإصلاح المسيطر على الشرعية خلال حكم الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي.
كما هو معروف عن "الجزيرة" التي تعد منبرا ضد خصوم التنظيم الإخواني الإرهابي، فقد تزامن بث فيلم المتحري مع حملات واسعة تستهدف المجلس الانتقالي الجنوبي، وقياداته كونه من يقود عملية التصحيح على الأرض جنوبا مع تشكيلات عسكرية جنوبية.
وفي سياق محتوى فيلم "الجزيرة" الذي أعدته قيادات إعلامية إخوانية، حاول الإخوان استدعاء الصراع المناطقي المدفون في الجنوب، وإذكاء نيرانه مجددا في محاولة خبيثة تستثمر صراعا قديما بين قيادات سياسية للتحريض على مناطق بعينها في الجنوب حاليا.
وتعمدت الجزيرة توظيف شهادات بعض المشاركين حتى الأجانب منهم لإظهار استمرارية التباين المناطقي في الجنوب، وجاء بشكل صريح على لسان إحدى المشاركات غير اليمنيات التي اعتبرت وجود أبناء قيادات الأمس في المشهد اليوم امتدادا للتباين المناطقي.
ويرى مراقبون أن "المتحري" ليس سوى محاولة من ضمن جولات تصعيد إعلامي للإخوان ضد الجنوب والمجلس الانتقالي لتحقيق أهداف التنظيم الدولي بتفكيك نسيج المجتمع.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية" اعتبر الباحث السياسي اليمني نبيل الصوفي أن "أقل أهداف فيلم الجزيرة هي إثارة الجدل ليومين ثلاث داخل الجنوب حول ماضٍ انتهى، وأكبرها يمكن اعتباره ضمن خطابات إحدى الخلايا بالخارج والتي هددت وأرعدت بقادم ضد الجنوب".
وأضاف الصوفي "لكن هذا كله تعبير عن يأس من الجنوب، فهذا المجتمع أثبت حيويته وفاعليته ونفسه الطويل ووفاءه مع قضاياه ومع التحالف، وخلال أربع سنوات أثيرت فيه كل قضايا الخلاف المناطقي والسياسي والبحث عن تنازع ولاءات، من أبين إلى شبوة إلى المثلث وعدن وحتى تجاه الشمال".
وأكد أنه رغم الثبات والتماسك بالأرض وبالجنوب فإن نخب الجنوب سريعا ما تنفتح على أي حلول تبني تحالفات ضد الحوثي والإخوان ويحمي الجنوب ويساعد الشرعية بالشمال، ولذا كان الفيلم ضمن هذه المحاولات البائسة ولن يكون الأخير.
وباستثناء المحتوى الوحيد للفيلم الذي تضمن اعترافا صريحا من الرئيس السابق علي ناصر محمد، بإشعال الحرب في 86 فإن قناة الجزيرة جاءت بما هو معروف للجنوبيين، وليس جديدا ولا فيه حتى ما يستدعي الاهتمام من حيث بقية المحتوى.
وهو ما ذهب إليه الصحفي المخضرم والقيادي في الحزب الاشتراكي سابقا خالد سلمان، باعتباره أن المحتوى مجرد تجميع قصاصات ومرويات سبق ذكرها على مدى عقود، وسرقة حديث الرئيس علي سالم البيض من مكتبة تلفزيون عدن، وتصديرها بالحصري الخاص بالجزيرة.
وأضاف سلمان :"لا شيء جديد يستحق التناول في البرنامج سوى نكأ جراح الصراعات الداخلية، وتوظيفها في معركة الراهن السياسي بين الرئاسي والانتقالي وحزب الإصلاح "الإخوان" الغاضب".
واعتبر خالد سلمان ظهور الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر، خارج السياق، تواريه كان من شأنه أن يساعد على ضمور الجزء الذي يسكن فيه، في ذاكرة هو دلالتها المؤذية والأكثر تقرحاً في مشهدية الصراع.
وقال سلمان على صفحته في "فيسبوك" إن ما يشتغل عليه إعلام الإخوان بعد فيلم الجزيرة "التحري"، أن الجنوب مفتوح على يناير أخرى "الحرب التي تناولها الفيلم" وعلى كل صاحب ثأر أن يحمل بندقيته ويضغط على الزناد.
وأكد سلمان أنه وباستثناء بعض الأسماء التي كانت موضوعية فإن فيلم الجزيرة لا يستحق التعليق عليه ناهيك عن عناء المتابعة.
وحول الجملة الختامية لأحدهم حول دفن الناس أحياء ، قال سلمان "هذا رجل يكذب ويعلم جيداً أنه يكذب ومع ذلك يصر أن يكذب".
وسخر الجنوبيون من محتويات ما بثته الجزيرة واعتبروه محاولة يائسة لنبش خلافات مناطقية قديمة لن تثني قيادات المشهد الحالي جنوبا عن مواصلة حربه ضد الإرهاب والانقلاب "الإخوان والحوثي".
كما لم يكن خافيا في الفيلم التنسيق الكامل مع قيادات الحوثيين التي وفرت ما اعتبرتها الجزيرة صورا حصرية عن مقتل الرئيس اليمني أحمد الغشمي.
وأظهر التمرد الإخواني في محافظة شبوة للعلن التحالف الحوثي مع الإخوان، منفتحا فصلا جديدا من الحرب على الشرعية.
ويوظف الإخوان قوتهم الناعمة والدعائية بما فيه مكينات الإعلام الضخمة التي أحيت مؤخرا دعوات صريحة للتقارب مع مليشيات الحوثي بغطاء "الانتصار للعلم اليمني" وحماية "البلد" من التشطير، بل تجاوز إلى شن هجمات مسيئة للتحالف العربي بقيادة السعودية.
وتجلى ذلك بصورة أوضح عقب أحداث شبوة أو بالأصح التمرد العسكري للإخوان ضد السلطة المحلية المعترف بها، ومحاولة فرض أمر واقع في المحافظة التي تحتل أهمية كبيرة في حسابات الإخوان لجهة الحفاظ على وجودهم العسكري والأمني جنوب اليمن.
في المقابل، أبدت مليشيات الحوثي الإرهابية صراحة استعدادها لفتح صفحة جديدة مع تنظيم الإخوان الإرهابي شريطة أن يظهر الإخوان التزاما معلنا، وزعمت أن أسلحتها الصاروخية والطائرات المسيرة ستكون حاضرة في معركة التنظيمين، وذلك على لسان القياديين محمد علي البخيتي (إخواني سابق) وحسين العزي.