محسن العيني.. اليمن يطوي صفحة تاريخية شاهدة على تأسيس الجمهورية
لم يشهد اليمن شخصية سياسية تعاقبت على رئاسة حكوماته كالراحل محسن العيني الذي وافته المنية، أمس، عن عمر ناهز 89 عاما.
العيني جمع بين العمل السياسي والدبلوماسي، وتنقل بين المناصب الوزارية والدبلوماسية بشكل دائم طوال مسيرته العملية، فخدم بلاده في غالبية المواقع الهامة.
العيني تولى منصب رئيس الوزراء لخمس حكومات متعاقبة، وشغل منصب وزير الخارجية، وشد الرحال سفيرًا لليمن لدى عدة دول غربية، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا وألمانيا.
ويعد السياسي الراحل أبرز الوجوه اليمنية المدنية التي أسست النظام الجمهوري في شمال اليمن، وتميزت مواقفه بالصلابة في العلاقات اليمنية الخارجية.
وإلى جانب عمله الحكومي، عمل الراحل العيني مترجمًا، واشتهر بترجمة كتاب “كنت طبيبًا في اليمن” لطبيبة فرنسية عملت في اليمن قبل عقود طويلة.
وطوال مسيرته المهنية، عرف الدبلوماسي المخضرم بانتقاده الشديد للأداء الإداري في الدوائر الحكومية، ومحاربته لمضغ القات، وعمل على مبادرة الإقلاع عن القات بين الموظفين.
رحلات مبكرة
محسن أحمد حسن العيني، المولود في عام عام 1932 بقرية قريبة من مدينة صنعاء، اختير عام 1947 ليكون أحد الطلبة اليمنيين الموفدين للدراسة في بيروت، وبالتحديد في مدرسة المقاصد الإسلامية.
بعدها، اتجه إلى إتمام تعليمه في القاهرة؛ مما أتاح له فرصة التعرف على اثنين من كبار دعاة التغيير في اليمن خلال القرن الماضي، وهما أحمد محمد النعمان ومحمد محمود الزبيري، فانخرط في صفوف تنظيم اليمنيين الأحرار منذ بداية الخمسينيات.
نشاطه السياسي
في عام 1952، التحق العيني بكلية الحقوق جامعة القاهرة، ثم شد الرحال إلى فرنسا للدراسة أيضا عامي 1955 و1956، وعاد إلى القاهرة بعد أن قطعت عنه المنحة الدراسية.
وفي عام 1957، أصدر كتابه "معارك ومؤامرات ضد قضية اليمن"، الذي كان آنذاك بمثابة دعوة لتغيير نظام حكم الإمامة القائم آنذاك.
وبعد هذا التاريخ بعام واحد، انضم السياسي الراحل لحزب البعث العربي الاشتراكي وشارك في ترتيبات المعارضة اليمنية ضد حكم السلالة الإمامية.
العمل الدبلوماسي
عقب ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962 ضد النظام القائم، عيّن العيني وزيرًا للخارجية، ثم عين بعد ذلك مندوبا دائما لليمن لدى الأمم المتحدة، وألقى أول خطاب باسم الجمهورية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون أول 1962.
وفي أبريل/نيسان 1963، قدم السياسي المخضرم أوراق اعتماده للرئيس الأمريكي جون كيندي، كأول سفير لليمن لدى الولايات المتحدة، قبل أن يعود بعد ذلك إلى اليمن في أبريل/نيسان عام 1965
كما عُين وزيرا للخارجية في حكومة محمد النُعمان، حيث كانت حرب اليمن على أشدها، لكنها استقالت في يوليو/تموز عام 1965.
وعاد العيني سفيرا لليمن في واشنطن لكنه استقال احتجاجا على الأوضاع السياسية في بداية أكتوبر/تشرين الأول عام 1966.
رئاسة الحكومات
شغل العيني منصب رئيس الحكومة اليمنية خمس مرات، أربع منها في عهد الرئيس عبدالرحمن الإرياني، والفترة الخامسة والأخيرة خدمها في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني عام 1967، عُين رئيسا للوزراء للمرة الأولى بعدما نجح ضباط الصاعقة والمظلات في تنفيذ انقلاب ضد المشير عبد الله السلال.
لكن الصراع اندلع بين العسكريين وترك العيني الوزارة وعاد سفيرا لليمن لدى الأمم المتحدة، ثم سفيرا في الاتحاد السوفيتي.
وفي يوليو/تموز 1969، كلفه القاضي عبدالرحمن الإرياني بتشكيل حكومته الثانية التي شكلها بالفعل في فبراير/شباط 1970،
وفي حكومته الثانية، أُعلن في 23 مايو/أيار عام 1970 عن انتهاء الحرب وتحقيق المصالحة الوطنية بين اليمنيين.
لكن تفاقم صراع بين العسكريين ومؤسسة القبيلة دفع العيني لتقديم استقالته الثانية في 23 فبراير/شباط 1971.
إلا أنه كُلف بعد ستة أشهر فقط وفي منتصف سبتمبر/أيلول 1971 بتشكيل حكومته الثالثة بعدما تفاقمت المشكلات وأفلست خزينة الدولة.
اتفاقية الوحدة
وقع العيني في 27 أكتوبر/تشرين الأول 1971 اتفاقية الوحدة مع اليمن الجنوبي بعد حرب استمرت عدة أشهر بين البلدين. إلا أن الضغوط تصاعدت ضد العيني بعد هذه الاتفاقية فقدم استقالته الثالثة في 30 ديسمبر/ كانون أول 1972.
انتقل السياسي المخضرم بعد ذلك للعمل سفيرا لليمن في لندن، لكن بعد سيطرة إبراهيم الحمدي على السلطة، كُلفه بتشكيل حكومته الخامسة والأخيرة في 19 يونيو/حزيران عام 1974، وكان من الطبيعي أن يدخل في صراع مع العسكريين الذين أقالوه في 16 يناير/كانون الثاني 1975.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 1979 عُين العيني مرة أخرى في وظيفته الأولى مندوبا لليمن لدى الأمم المتحدة، ثم سفيرا في عدة دول كان آخرها الولايات المتحدة التي بقي بها سفيرا لليمن طيلة ثلاثة عشر عاما، كانت بين عامي 1984 و1997.
aXA6IDE4LjExNy43MC42NCA= جزيرة ام اند امز