الأربطة الدينية في رمضان.. عبادة وتسامح وثقافة في اليمن
مع حلول العشر الأواخر من رمضان كل عام، يؤدي أهالي عدن اليمنية طقوسًا دينية فريدة، تتميز بالروحانية والإيمان.
فيرابط الكثير من المواطنين على الاعتكاف في دور العبادة، وإحياء ليالي التهجد وقيام الليل، والدروس العلمية والدينية، في مراكز ومساجد يطلق عليها "الأربطة الدينية".
وتبدو تلك الطقوس أكثر لفتًا وروحانية في المدينة القديمة بعدن، حاضنة أبرز الفرق الصوفية، التي تحتفي بالعشر الأواخر من رمضان في أربطتها العلمية والدينية العتيقة سنويًا بطرق وطقوس بهية.
يشير مدير مركز الإبداع الثقافي للدراسات التابع للأربطة الدينية بعدن وعضو المجلس المحلي بمديرية صيرة في عدن، رمسيس حسام الدين، إلى طبيعة مفهوم ومصطلح "الأربطة".
ويقول لـ "العين الإخبارية" إن معنى "الرباط" مأخوذ من "رَابَطَ" و"اِعْتَزَلَ" و"الْمُتَعَبِّدُ فِي رِبَاط"، أي أنه في "خَلْوَةٌ"، وهي "مَلْجَأٌ للزُّهَّادِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ".
ويضيف رمسيس أن الرباط والأربطة مصطلحات إسلامية، تشير إلى الملاجئ التي يُرابط فيها على ذكر الله وعلى الصلاة وطلب العلم والنفع، قدر المستطاع.
ويؤكد أن هذه الغايات دفعت نحو إنشاء أربطة التربية الإسلامية ومراكزها التعليمية والمهنية في عدن، والتي بدأ تأسيسُها على يد العلامة الدكتور أبوبكر العدني المشهور.
وكان ذلك بإنشائه لرباط الإمام العدني العيدروس، العلامة الصوفي الشهير، كملحق تعليمي للصرح الكبير في مسجد الإمام العيدروس بعدن.
هوية عدن
ويكشف مدير مركز الإبداع الثقافي للدراسات التابع للأربطة الدينية، رمسيس حسام الدين، لـ"العين الإخبارية" عن أنشطة الأربطة في شهر رمضان تحديدًا.
فيقول إن الأربطة الدينية هي مراكز تسهم في إقامة الدروس التعليمية والتوجيهية والتثقيفية لعموم الناس في المساجد، وإحياء صلاة التراويح "وهي صلاة نافلة تؤدى عقب صلاة العشاء المفروضة، يوميًا في ليالي رمضان".
وأشار رمسيس إلى أن ما يميز الأربطة أنها تسبق صلاة التراويح بـ"الموشحات أو الأناشيد الدينية"، على الهيئة والهوية الثقافية العدنية، والتي هي جزء أصيلٌ من تراث عدن وموروثها الديني والاجتماعي.
خدمات مجتمعية وعايش مذهبي
يقول رمسيس: "إن الأربطة تحرص خلال هذه الليالي على إقامة احتفالات تكريم حلقات القرآن، وتخريج دفعات من حفاظ القرآن وطلاب العلم الشرعي".
ويلفت إلى الدور الخدمي للأربطة في عدن كمشاريع توزيع السلال الغذائية وأضاحي العيد، والمشاريع الخدمية والصحية، كحملة الرش ضد الحميات بتنفيذ شباب منتدى عدن الثقافي الاجتماعي خلال فترة تفشي الأوبئة بعدن.
بالإضافة إلى توزيع المعونات على متضرري السيول من منح مالية ومساعدات عينية، كخزانات المياه وفُرُش النوم والملابس وغيرها، وإقامة عيادة خيرية في خضم أزمة الأوبئة خلال العام 2020 واستمرارها إلى وقتنا الحالي، وفق رمسيس.
وأبرز ما تطرق إليه مدير مركز الإبداع الثقافي للدراسات مساهمة الأربطة الدينية والمراكز التابعة لها في نشر لغة التآلف ومبادئ التعايش.
فعلى الرغم من الاختلاف المذهبي والعقدي في أوساط المجتمع العدني، إلا أن الأربطة استطاعت العمل على تجديد لغة الخطاب الدعوي، وخصوصًا الخطاب المنبري.
وتحقق ذلك، بحسب رمسيس حسام الدين، عبر إنشاء جيل وثلة طيبة من الخطباء والدعاة وطلاب العلم يتصدرون لهذه المهمة الشريفة، لترسيخ قيم التعايش المذهبي.
ويتابع المسؤول المحلي حديثه عن الأربطة ومراكزها التابعة لها، والتي يشرف على إداراتها الموجه العام للأربطة فضيلة الحبيب الدكتور أبوبكر العدني المشهور.
ومن تلك المراكز، مدارس تحفيظ القرآن ودُور الزهراء لتعليم النساء والفتيات، والمراكز البحثية والمنتديات الثقافية والمؤسسات الخدمية.
ويلفت رمسيس إلى أن مدينة عدن تحتضن أربعة أربطة تربوية تعليمية، كرباط الإمام العيدروس المذكور آنفاً بمديرية صيرة، وفي مديرية المنصورة هناك رباط الشهيد الكعيتي، ورباطيّ الحبيب علي المشهور والسيد أحمد السروري في مديرية الشيخ عثمان.
ويضيف، مدارس الفتيان لتحفيظ القرآن فهي مجموعة مدارس تأسست تحت إشراف رباط العيدروس، وتشرف على 8 مساجد في مديرية صيرة، وغيرها من مدارس التحفيظ التابعة للأربطة، وتبلغ قرابة 15 مدرسة في عموم المحافظة، وغيرها من المؤسسات والمراكز.
وما يلفت النظر أن هذه المراكز التعليمية تقوم طوال العام ببث العلم الشرعي على منهج الوسطية الشرعية والاعتدال الواعي واجتماع المسلمين على القواسم المشتركة، وذم الصراع والفتن في أوساط المسلمين عمومًا وأوساط المجتمع الذي نعيش فيه خصوصًا.
aXA6IDMuMTMzLjEyNC4xNjEg
جزيرة ام اند امز