أقبية الموت.. قيادي يمني يكشف لـ"العين الإخبارية" فظائع الحوثي
"موت ممنهج، وحرب تجويع، وتعذيب نفسي وجسدي" إلى "أمراض السل والجرب".. هذا هو حال سجون مليشيات الحوثي شمال اليمن.
سجون، باتت كدهاليز مظلمة، تخفي الكثير من الأسرار وأقبية الموت للأسرى والمختطفين في بلد يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
- الحوثي يطلق ضابطا يمنيا بارزا من سجونه.. مبادرة أم مناورة؟
- ملف الأسرى.. ورقة الحوثي "الخبيثة" لضرب جنوب اليمن
تلك الأسرار وإن بدت خلف أسوار حصينة إلا أنها لن تُحجب طويلا كما خططت لها مليشيات الحوثي وإنما باتت أمام مرأى الأسرى والمختطفين والذين ليسوا مجرد ضحايا وإنما شهود عيان على إرهاب ظلامي لا مثيل له.
أحد هؤلاء هو القيادي اليمني البارز أحمد علي محمد الدماني الذي وقع في الأسر وهو يحرس ثغور أبين (جنوب) وعقب خوض معركة طاحنة سقط على إثرها جريحا قبل أن تنفد ذخيرته وذخيرة مرافقيه وتحاصره مليشيات الحوثي.
واعتبر الحوثيون وقوع الدماني وهو أركان حرب لواء الأماجد القتالي في الأسر صيدا ثمينا لهم إذ كانوا يشترطون مقابل إطلاق سراحه، الإفراج عن 100 عنصر حوثي ممن تم أسرهم في جبهات جنوب اليمن وهو مالم يتحقق لهم عقب الصفقة الجماعية التي تمت في 14 إبريل الماضي برعاية أممية.
وأقلت طائرات الصليب الأحمر الدولي العقيد الدماني إلى جانب قيادات رفيعة أبرزهم اللواء محمود الصبيحي واللواء ناصر منصور وعديد الضباط والقادة الذين تنفسوا الحرية بعد معاناة شديدة في سجون مليشيات الحوثي.
حيلة الاسم الوهمي
وصبيحة منتصف سبتمبر /أيلول 2021، كانت آخر المعارك التي خاضها العقيد أحمد الدماني أركان حرب لواء الأماجد جبهة الصومعة والذي ينتشر حاليا في مناطق مديرية لودر في محافظة أبين، جنوبي اليمن، قبل إصابته ووقوعه في الأسر.
تلك المعركة التي انطلقت شرارتها فجرا كان بطلها الدماني الذي تلقى بلاغا بأن الحوثيين شرعوا في تنفيذ عملية التفاف واسعة عبر بلدة "شرجان" التابعة لمديرية ميكرس الشهيرة على بعد 16 كيلومترا من مسرح العمليات وهي منطقة كانت مكشوفة بسبب نقص الجنود بصفوف الشرعية.
تحرك الدماني مع 3 من مرافقيه، كما يروي في مقابلة مع "العين الإخبارية"، إلى "شرجان" واصطدم بزحف حوثي شرس ولم يستسلم على إثره وإنما واصل الذود عن البلدة حتى سقط جريحا بعد طلق ناري أصاب ساقه اليمنى.
وقبل أن يطبق "العدو الحوثي" عملية التفافه أرسل الدماني الذي كان ينزف بشدة أحد مرافقيه لطلب التعزيزات لكنه هو الآخر سقط بسبب الإصابة وهو ما دفع الدماني للسماح لمرافقيه بالفرار حتى لا يسقطوا قتلى جميعا إلا أنهم رفضوا ذلك.
يقول القيادي اليمني أنه عقب وقوعه في قبضة الحوثيين طلب منهم على الفور إما قتله أو إسعافه إلا أن مليشيات الحوثي كانت تجهل أنه قيادي كبير وإلا لعمدت على تصفيته على الفور ولذا قامت بأسره مع مرافقيه ورفضت إسعافه لمدة 9 ساعات قبل أن تنقله لأحد مستشفيات محافظة ذمار (شمال) باسم وهمي.
والاسم الوهمي، حيلة حوثية تلجأ إليها المليشيات لإخفاء هويات المصابين حتى لا يتعرف عليهم الأهالي وأقارب الضحايا عند التفتيش عليها في المستشفيات، بحسب الدماني.
وبعد 9 أيام صحوت في المستشفى على 3 من القيادات الأمنية لمليشيات الحوثي في مسعى لاستجوابي قبل أن يتم نقلي إلى سجن "القبراء" في ذمار ورغم ذلك أخفيت هويتي عنهم وتمكنت من إجراء أول اتصال بعائلتي مقابل مبلغ مالي.
ويضيف: "ساعدني في إخفاء هويتي وعدم تحري الحوثيين عني هو خبر أشيع في الإعلام وموقع التواصل الاجتماعي يشير لمقتلي ولهذا لم يتنبه لي أحد بما فيه الصفة القيادية لكن بعد أن تعرفوا علي قاموا بنقلي على الفور إلى صنعاء".
وفي صنعاء قام بزيارتي فور وصولي قيادي حوثي يدعى "أبو حسين" واسمه الفعلي مراد محمد قاسم حنين وهو نائب رئيس لجنة شؤون الأسرى للمليشيات مع مدير السجن المدعو أسامة الجنيد واستنكر قتال الجنوبيين للمليشيات، مشيرا إلى مقتل مؤسس المليشيات حسين الحوثي على يد البطل اللواء ثابت جواس.
كما خاطبني: "أنت تقاتلنا من 2011 منذ حرب دماج وأنا أعرف تاريخك"، فرددت: "ما وجدتني في شارع أو حارة.. تاريخي من مترس إلى مترس حتى أصبت ونفذت ذخيرتي وذخيرة أصحابي".
قتلى بالجملة
وعن تعذيب مليشيات الحوثي للأسرى، قال الدماني: "أنا شخصيا لم أتعرض للتعذيب القاسي بسبب أني قيادي وهذا ليس طيبة منهم وإنما بسبب وجود أسرى سلاليين مهمين للمليشيات وتسعى لمبادلتهم".
ويضيف: "الكثير من الأسرى أصيبوا بحالات نفسية وقد شاهدنا وسمعنا فظائع مروعة للمليشيات منها استخدام الموت الممنهج على يد طبيب حوثي سيئ السمعة".
واتهم الدماني القيادي الحوثي محمد السنباني الذي تم تعيينه من المليشيات مسؤولا طبيا في سجن الأمن المركزي بصنعاء بأنه طبيب برتبة "قاتل" قائلا: "أنه تسبب بمقتل العديد من السجناء والمختطفين بسبب عدم علاجهم وإهمالهم المتعمد".
وأشار إلى أن "الطبيب الحوثي السنباني كان يتعمد تقديم تشخيص طبي مزيف عن المعتقلين والأسرى بادعاء أنهم في صحة كاملة حتى أن أحدهم فور انتهاء تشخيصه سقط قتيلا".
وعدد الدماني أسماء الكثير ممن قتلتهم مليشيات الحوثي في سجن الأمن المركزي منهم "عبد الباري الصبري" بسبب فشل كلوي عانى منه لشهور و"عبد الرحمن الحميقاني" بسب فشل كلوي و"الليث الصبري" بسبب سرطان الدم و"سالم الشبوي" و"عزام الضالعي" وآخرين بسبب مرض السل المنتشر في السجن.
حرب نفسية
وتمارس مليشيات الحوثي ضد الأسرى والمعتقلين حربا نفسية متعددة الأوجه تستهدف هزيمتهم نفسيا منها اكتظاظ السجون بآلاف السجناء اليمنيين والأفارقة.
كما تمارس مضايقات روتينية ومتعمدة منها قطع المياه والتي لا تأتي سوى نصف ساعة في اليوم فيما يحضر الطبيب كل 3 أيام، وفقا للدماني.
وأشار إلى إهمال مليشيات الحوثي لتقديم التغذية للأسرى والمعتقلين منها تقديم "العدس" والأرز" رغم أن الوجبات الغذائية مقدمة من الأمم المتحدة لكن المليشيات تتعمد مصادرتها ونهبها وممارسة حرب تجويع ضد المعتقلين.
كما تتعمد مليشيات الحوثي إزعاج المرضى وكل الأسرى بمكبرات الصوت منها تشغيل الزوامل حتى في أوقات الصلوات وخلال أوقات القيلولة وعلى مدار الساعة تمارس حربا نفسية متعددة الأوجه منها إجبار المحتجزين على أخذ دورات ثقافية طائفية والترويج لخرافاتهم، طبقا للقيادي اليمني.
يشار إلى أنه في 14 أبريل/ نيسان الماضي تبادلت الأطراف اليمنية نحو 1000 محتجز على خلفية الحرب الحوثية في اليمن في عملية استمرت لمدة 3 أيام في إطار اتفاق جرى في سويسرا في مارس/آذار 2023.